تعرض علي بن عباس في هذا
الفصل بالحديث لأكثر أمراض الرحم التي
كانت معروفة وقتئذ. ومن أهم تلك
الأمراض نذكر:
أولا- احتباس
الطمث: ويورد علي بن عباس في البداية
أن أسباب احتباس الطمث هي قد تكون بسبب
آفات في الرحم أو بسبب مرض ما في الدم أو
بسبب مرض عام في الجسم. فمن الأسباب
الرحمية يذكر الأورام والتشوهات في جسم
الرحم والإسقاط أو رضوض الرحم أو انسدادات
في الرحم بسبب أورام أو غيرها. من المعروف
حاليا بأن هذه الأسباب وغيرها من الأسباب
كثيرا ما تؤدي لحدوث انقطاع الطمث.
ثم يتعرض علي بن عباس
بالحديث للأعراض والعلامات التي قد تشكو
منها المريضة كحس الثقل في البطن وفي جميع
البدن ووجع البدن ووجع الظهر والرقبة
واحتباس البول والبراز، وذهاب شهوة
الطعام، وربما اشتهت المرأة الأطعمة
الرديئة.
ثانيا- النزف: وهو عكس احتباس
الطمث. ويعرفه علي بن عباس بقوله: "وأما
النزف فهو كثرة خروج الدم من الرحم.
وحدوثه يكون إما من إفراط استفراغ دم
الطمث وهذا يكون إما من ضعف القوة
الماسكة، وإما من رقة الدم ولطافته وحدته
وإما من كثرة الدم وامتلاء العروق وتمددها
وإما من انخراق بعض عروق الرحم بسبب خلط
حاد وتأكل أو صدع".
ثالثا- السيلان: ويصفه علي بن
عباس بأنه رطوبة تسيل من فم الرحم، وهذه
الرطوبة إما أن يكون تولدها في الرحم نفسه
أو من فضول تصير إليه من جميع البدن. بعد
ذلك ميز أنواع السيلان حسب اللون، يقول في
ذلك: "ويستدل على نوع ذلك الفضل من لون
الرطوبة وجوهرها وذلك أنها ربما كانت
حمراء فتدل على أنها دموية وربما كانت
بيضاء فتدل على أنها بلغمية وربما كانت
صفراء فتدل على أنها صفراوية، وربما كانت
سوداء فتدل على أنها سوداوية. وكثيرا ما
تكون مائية شديدة السيلان، وربما كانت
غليظة لزجة".
رابعا- اختناق
الرحم: هذه الحالة هي على ما يبدو
حالة الرتقاء، ويصفها علي بن عباس على
أنها علة رديئة جدا تسبب احتباس دم الطمث
في الرحم.
تعتبر حالة الرتقاء حاليا
أو ما يسمى بانسداد غشاء البكارة
Imperfotated hymen
من الحالات الكثيرة المصادفة نسبياً. وقد
تحدّث عنها بالتفصيل ابن سينا أيضاً. وقد
قال في وصفها: "المرأة الرتقاء هي التي
إما على فم فرجها ما يمنع الجماع من كل
شيء زائد عضلي أو غشائي قوي أو يكون هناك
التحام عن قروح أو عن خلقة وإما نتن فم
الرحم وفم الفرج على أحد هذه الوجوه
بأعبائها. وقد يعرض للجارية عند ابتداء
الحيض أن لا يجد منفذاً لأحد هذه الأسباب
فيعرض لها أوجاع شديدة وبلاء عظيم".
إن علاج هذه الحالة هو
الجراحة لا غير، وهو نفس رأي ابن سينا،
وذلك بخرق هذا الغشاء بالإصبع، أما إذا
كان الصفاق سميكاً فيشق بمبضع عريض يشبه
ورقة الآس.
من المعروف حالياً بأن انسداد غشاء
البكارة قد لا يتظاهر بأي عرض حتى سن
البلوغ حيث تبدأ الأعراض بعدم ظهور دم
الطمث (بسبب الاحتباس)، وتظهر أعراض دورية
من الألم تدوم عدة أيام ثم تزول تدريجياً،
وفي كل مرة يزداد الدم المحتبس خلف
الانسداد مكوناً ورماً دموياً فيمدد
المهبل ثم لا يلبث أن يمتد الورم الدموي
إلى عنق الرحم والرحم، ويصبح الألم عندها
مستديماً مع نوب اشتداد دورية توافق أيام
الطمث. تعالج هذه الحالة حالياً بالتداخل
الجراحي لشق غشاء البكارة المنسد وتفجير
الورم الدموي المتكون.
خامسا- أورام الرحم:
ويصنفها علي بن عباس إلى أورام حارة
وأورام صلبة. فالأورام الحارة إما خارجية
أو داخلية، وتترافق بحمى ووجع في الرأس
والرقبة لاسيما في اليافوخ. بعد ذلك يذكر
أن هذا الورم الحار قد يصبح خراجا عندها
يسمى بالدبيلة، وفي هذه الحالات تكون
الأعراض أشد وأقوى ويضاف إليها القشعريرة.
ثم يذكر علي بن عباس الورم السرطاني الذي
يحدث في الرحم، ويصفه بأنه ورم صلب متحجر.
يقول في ذلك: "وهو ورم صلب متحجر وحدوثه
يكون كما قلنا من مادة سوداوية أو مرة
سوداء تتولد في الموضع، وأكثر حدوثه يكون
مما يلي فم الرحم. وربما كان السرطان مع
تقرح وربما كان بغير تقرح فيستدل عليه
بالوجع الشديد في الإربيتين وأسفل البطن
والعانة والظهر".
تحدث عن هذا المرض أغلب الأطباء العرب،
حيث ذكره الرازي معدداً أسبابه بقوله: "قد
يعرض ذلك
الورم – أي الورم الحار- في الرحم من
احتباس الطمث، أو من عسر الولادة، أو من
ضربة على الرحم، أو امتداد فيه
… . ثم يتناول بالشرح كل نوع واصفاً طريقة
علاج كل منها حيث أن أغلبها يعالج بحقن
الرحم ببعض الأدوية والدهونات.
لقد وصف الزهراوي في كتابه
التصريف لمن عجز عن التأليف طريقة شق خراج
باطن الرحم وذلك بعد أن يتم وضع منظار عنق
الرحم، ثم نصح بوضع الفتائل (أو ما يدعى
بالمفجر اليوم)التي تغمس ببعض المواد
المقبضة.
تشابه الحالة الذي ذكرها
علي بن عباس مع ما يعرف اليوم بتقيح باطن
الرحم
Pyometra
حيث يتظاهر هذا المرض بألم أسفل البطن مع
ترفع حروري وضخامة الرحم، وتعالج هذه
الحالة حالياً بتوسيع عنق الرحم مع وضع
مفجر مطاطي خلال العنق والذي يترك لعدة
أيام مع إعطاء الصادات بالطريق العام.
سادسا- ثآليل فم الرحم:
حيث يمكن التعرف عليها كما يشير علي بن
عباس عن طريق فتح فم الرحم بالآلة التي
يفتح بها الرحم فإنها تتبين بحاسة اللمس
والبصر. وكذلك يشير إلى إمكانية إصابة
الرحم بالبواسير كتلك التي تصيب المقعدة،
بالإضافة إلى إصابته بالبثور والقروح
أيضا.
سابعا- علامات الحمل:
يقول علي بن عباس في ذلك: "من هذه
العلامات: أن لا يجري منها دم الطمث
على ما كان يجري بالطبع، ولا تشتهي الجماع
ويكون لون العروق التي في بدنها أخضر
والثديان ناهدين أكثر مما كانا، ويكون
بياض العين كمدا إلى الخضرة، ولون الوجه
كذلك مع نمش وبرش، ويعرض لها غشي وقلة
شهوة الغذاء، وتميل إلى الشهوات الرديئة".
أما فيما يتعلق بكون
الجنين ذكرا أو أنثى، فهو يشير إلى أنه
إذا كان ذكرا كان لون المرأة حسنا وحركتها
خفيفة وبطنها مستديرة ولون حلمتي ثدييها
أحمر يميل إلى السواد. وإذا كان لون
المرأة سمجا وحركتها بطيئة وبطنها متطاولا
وبها كلف كان الجنين أنثى، وكذلك إذا عرض
لها في ساقيها أورام وقروح.
ثم يتعرض بالذكر إلى مسألة
إسقاط الأجنة، فهو يفند أسبابها إما
خارجية أو داخلية ويذكر ذلك بالتفصيل.
في نهاية هذا الفصل يذكر
بعض الأجنة المشوهة، كما يذكر أن المرأة
قد تحمل بثلاثة أجنة أو أربعة، وقد رأى
ذلك بنفسه. أما بخمسة أجنة فقد سمع عن
ذلك.
ا
الرجوع إلى القائمة |