من اليوم .. صورة لرجل بجهاز تنفس صناعي على كل علبة سجائر
من اليوم .. صورة لرجل بجهاز تنفس صناعي على كل علبة سجائر
«مش مهم الثمن، عايز علبة سجاير من غير صورة»، هكذا يطلب أحد المدخنين من «عبد الله»، صاحب كشك لبيع التبغ والمرطبات يطل على مستشفى الأورام، قرب ميدان «فُمّ الخليج»، بقلب العاصمة المصرية، القاهرة.
وبحسب لائحة تنفيذية لقانون مكافحة التدخين بدأ أمس تطبيقها في البلاد، أصبح لزاماً على كل شركة منتجة للتبغ في مصر، وضع صور على علب التبغ، يظهر فيها رجل يقاوم الاختناق راقداً بغرفة عناية مركزة، وعلى فمه وأنفه جهاز للتنفس الصناعي..
قال عبد الله، بعد أن باع علبتي سجائر من ماركة كليوباتر الشعبية بأكثر من ثمنها الحقيقي بنحو 20%: «وكأن ضرر السجاير اللي جوه العلبة اللي من غير صورة، أقل عن ضرر السجاير اللي جوه العلبة اللي بصورة».
وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، الدكتور عبد الرحمن شاهين، فإن الحكومة سوف تبذل جهوداً لمصادرة علب السجائر التي تعود صناعتها لما قبل مهلة تطبيق القانون ولائحته التنفيذية.
كما أكد الدكتور محمد عبد الكريم، الإخصائي بمستشفى الدرن شرق العاصمة، إن إدارة المستشفى، ومستشفيات مماثلة زارها أخيراً بعدة محافظات مصرية.. توفر كلٌّ منها حديقة خضراء وعصافير تزقزق وسط أجواء هادئة (قرب إستاد المقاولون العرب الرياضي) تساعد المرضى (جراء التدخين) في أن يُقلعوا عن هذه العادة، المشكلة أن هناك من يتعافي؛ فيخرج ليدخن بأكثر من السابق.
ويقول مراقبون إن إجراءات تقوم بها الحكومة المصرية ولجنة الصحة بالبرلمان، منذ عدة أشهر لمكافحة التدخين، تأتي في إطار دولي تدعمه منظمة الصحة العالمية لحث الناس على التخلي عن هذه العادة القاتلة، إذ ترى المنظمة أنه يتعين على الحكومات اتخاذ قوانين تمنع التدخين في الأماكن العمومية بشكل كامل.
وقال البائع «عبد الله» وهو يشير إلى الباب الرئيسي لمستشفى الأورام السرطانية، إن غالبية من يدخلونه هم ضحايا التدخين..«أقارب المريض يشترون مني عصائر، وحين أسألهم يقولون لي إن السجاير السبب في إصابة قريبهم، ومع ذلك يشعلون سيجارة، قبل أن يذهبوا لزيارته على سرير المرض».
الطريف أن «عبد الله» البالغ من العمر 42 عاماً، وتعلم التدخين من زملائه بالمدرسة الثانوية، كان يتحدث وهو يدخن سيجارة، مثله كمثل 13 مليون مصري، بزيادة سنوية تتراوح بين 7% و9% بحسب وزارة الصحة المصرية.
لكنه قال، مثل غالبية المدخنين في مصر والعالم: «ده (التدخين) بلاء باحاول أخلص منه في يوم من الأيام..».
وعما إذا كان يحتفظ بعلب سجائر لنفسه من تلك التي ليست عليها الصورة التحذيرية، قال إنه منذ أكثر من أسبوع أصبحت كل الشركات المنتجة للسجائر في مصر، من ماركات محلية، مثل الـ«كليوباترا» والماركات الأجنبية كـ«المارلبور» والـ«روثمان»، توزع علباً عليها نفس صورة الرجل المسجى على سرير المرض، وعلى فمه وأنفه جهاز التنفس الصناعي، وفوق الصورة، التي تشغل ثلث مساحة واجهة العلبة، كلمات تقول: «احترس التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة ـ الآثار المدمرة للتدخين تصيب المدخن وغير المدخن ـ يسبب التدخين أمراض القلب والشرايين».
وخاض الدكتور حمدي السيد رئيس لجنة الصحة بالبرلمان نقيب أطباء مصر، ونواب آخرون، إضافة لأطباء يرأسون جمعيات أهلية، معارك ضارية ضد شركات تبغ، منذ بداية الألفية، لمطالبتهم بالتشدد ضد التدخين وتحبيذه والترويج له، مستعينين بإحصاءات تقول إن علاج أمراض التدخين (نزلات شعبية حادة وسرطان الرئة والحنجرة والمعدة والمثانة والعجز الجنسي وهبوط القلب) يكلف الدولة إنفاقا سنوياً يبلغ ما بين 12 و15 مليار جنيه، في حين لا تزيد حصيلة الدولة من شركات التبغ عن نحو 3 مليارات جنيه سنوياً.
وفي تصريحاته أمس أكد الدكتور شاهين بصفته المستشار الإعلامي لوزارة الصحة، إلى جانب كونه المتحدث باسمها، إن اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة التدخين تُلزم جميع شركات صناعة التبغ (بمصر) بوضع الصور والعلامات التحذيرية على جميع علب السجائر بعد الانتهاء من مهلة توفيق أوضاعها في 15 مايو (أيار) الماضي، قائلاً إنه تم الاتفاق على أربع صور (منها صور لرئتين متقرحتين ومحترقتين بفعل التدخين) وتحذيرات تبين تأثيراته الخطيرة على القلب والشرايين وعلى الأجنة والأطفال والعلاقات بين الزوجين، وأنه «سيتم ضبط علب السجائر (المطروحة بالأسواق والتي ربما تم إنتاجها قبل مهلة توفيق الأوضاع) التي لا توجد عليها صور أو علامات تحذيرية بالتعاون مع الإدارة العامة للتموين بوزارة الداخلية»، مشيراً إلى أن النوع الأخير (بدون صورة) هو الذي يفضله المدخنون، ويشترونه بأسعار أعلى.
وحول تأثير الصورة والتحذير المرفق على كل علبة سجائر في كبح عدد المدخنين في البلاد، قال مستشار وزارة الصحة إنه يتم حاليا رصد نتائج الحملة، بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بغرض عمل استقصاء للرأي بين المواطنين للتعرف على نتائج الحملة، لكنه أكد أيضاً على أهمية تطبيق القانون الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة ويحظر الإعلان في وسائل الإعلام عن منتجات التبغ أو بيعها لمن يقل عمره عن 18 عاما.
كانت عينا البائع «عبد الله» تنتقلان بين علب السجائر المصفوفة أمامه بما عليها من صور وكلمات تحذيرية واضحة، وبين مريض جديد يدلف به أهله لمستشفى الأورام، وكأن هذا البائع يفكر في أنه، في يوم من الأيام، قد يأتي عليه الدور ليصبح ضمن حوالي 37000 مصري يموتون سنويا بسبب التدخين.