القلب النابض .. جراحة جديدة تعتمد على الروبوتات
أصبح لزاما على كتاب الخيال العلمي، إما أن يقدحوا زناد فكرهم بصورة أكبر في صراعهم مع التطور الهائل الذي يشهده العلم الحديث يوميا، وإما أن يبحثوا عن وظيفة أخرى ليسترزقوا منها، فبعد أن كان مجرد التفكير في إجراء جراحة على القلوب النابضة ضربا من الخيال، قام فريق علمي فرنسي بتصميم برنامج كومبيوتري ثلاثي الأبعاد يتيح للجراحين استخدام الإنسان الآلي في إجراء العمليات الجراحية على القلوب النابضة دون الحاجة لإيقافها عن العمل أثناء إجراء العملية كما كان يحدث سابقا.
وحسب ما نشرته دورية أبحاث علوم الإنسان الآلي الدولية المتخصصة في عددها الحالي، تمكن فريق علمي فرنسي من تصميم نموذج كومبيوتري ثلاثي الأبعاد للتحكم في ذراع روبوتي «آلي»، يقوم بإجراء الجراحات على القلب دونما حاجة إلى إيقافه عن العمل، وهو الأمر الذي كان في عداد المستحيل سابقا، حيث إنه مهما بلغت مهارة الجراح وقوة أعصابه وقدرته الفائقة على التحكم بحركة أصابعه، فإن حركة القلب ما بين انقباض وانبساط أثناء النبض لا تتيح المجال للجراح أن يتمكن من استخدام آلاته بطرقة سليمة، فلو تحرك المبضع بضعة مليمترات قليلة يمينا أو يسارا، أو عمقا، لتحول من أداة شفاء إلى آلة للقتل.
«توقيت تكنولوجي»
التكنولوجيا الجديدة، التي قام بتصميمها كل من روجيريو ريتشا، وفيليب بواجنت، وتشاو ليو من مختبر مونبلييه المعلوماتي والتقني، تقوم كاميراتها بتصوير القلب والصدر في مقاطع فيديو ثلاثية الأبعاد، ومن ثم يقوم الكومبيوتر المتصل بها بتحليل حركة القلب بدقة متناهية وتوقع حركاته التالية، ثم يقوم الجراح بإعطاء الأوامر الخاصة بالجراحة للكومبيوتر من حيث اتجاه الخط الجراحي المطلوب وعمقه وطوله، فيقوم الذراع الآلي، المتصل بالكومبيوتر إلكترونيا جهة ومثبت بيد الجراح، بتنفيذ الأمر في اللحظات المناسبة طبقا لحسابات الكومبيوتر.
وتعددت المحاولات فيما مضى لتنفيذ مثل تلك التكنولوجيا إلا أنها باءت دائما بالفشل، نظرا لأن المحاولات السابقة كانت تعتمد على الصور الثنائية الأبعاد للقلب أثناء النبض، مما جعل استجابة الكومبيوتر دائما متأخرة بعض الشيء عن المطلوب، وحيث إن جزءا من الثانية يعني الكثير في مثل هذه الجراحات، فإن هذا النموذج الجديد هو الأول من نوعه الذي يقدم تكنولوجيا «مسايرة التوقيت الفعلي» Real ـ time matching، والتي تتيح للجهاز الآلي متابعة لحظية لكل المتغيرات التي قد تحدث أثناء العملية.
وفي السنوات العشر الماضية، صار للأذرع الآلية دور كبير في غرف العمليات يطاول أذرع الجراحين، فأصبحت تتدخل في الجراحات الدقيقة أو تلك التي تتطلب قدرا فائقا من الحركة المتأنية المرهفة أو السكون التام، وهي أمور لا تستطيع اليد البشرية تنفيذها، مما فتح المجال أمام التدخل الجراحي في مناطق كان من الخيال دخولها فيما سبق. وينتظر أن يسهم هذا التقدم العلمي في مجالات جراحات القلب والأوعية الدموية وجراحات الدماغ وخلافه.
جراحة القلب النابض
إلا أن مثل هذا «التحول الآلي» قد حرم الجراحين من ميزة استعمال حاسة اللمس الخاصة بهم أثناء إجراء الجراحات، الأمر الذي قد يعوق عمل الكثيرين منهم، نظرا لاعتياد الجراح على استخدام حواسه، وخاصة اللمس، في تقدير الأبعاد أو الأعماق في أثناء الجراحة، وبخاصة عندما تكون بعض الأماكن المراد تفحصها خارج المجال البصري المباشر للجراح، وعليه فإن التقدم التالي المنتظر يتمثل في تنفيذ المشروع التخيلي «القفازات الشبه روبوتية»، والتي تتصل إلكترونيا بالكومبيوتر بينما يرتديها الجراح في يده، وتساعده من جهة على تنفيذ أوامره بدقه بينما لا تحرمه مزية استخدام حاسة اللمس وتقدير الأبعاد.
وقد واجه الأطباء مشكلة العمل على القلب النابض منذ مطلع القرن الماضي، وهو تاريخ بداية العمل في جراحات الصدر والقلب، إلا أن الحل كان في إيقاف القلب لفترة عن العمل باستخدام العقاقير الطبية، ومحاولة تحويل الدورة الدموية باستخدام آلات الضخ الاصطناعية، والتي لم تنجح تماما إلا في عام 1961 بمستشفى «الرحمة» بولاية أوكلاهوما الأميركية عندما قام بروفسور القلب العالمي نزيه زدهي بتطوير أول آلة ضخ خارجية، ونجح على أثرها في إجراء جراحة على قلب موقوف دوائيا عن العمل مع تحويل الدورة الدموية.