شحوم الأرداف والمؤخرة butt fat، ليست سيئة كما يعتقد البعض، بل هناك اليوم حديث علمي حول أنها ربما تكون إحدى وسائل وقاية البعض من الإصابة بأمراض مزمنة وخطرة، مثل مرض السكري ذي التداعيات الصحية الكثيرة، ومثل أيضا أمراض شرايين القلب.
ومع وجود ستة أنواع من الشحوم في الجسم، فإن النظرة الطبية إلى شحوم الأرداف يجب أن تختلف عن تلك النظرة المتشائمة إزاء كثرة تراكم الشحوم في منطقة البطن، لا بل ربما تكون نظرة التفاؤل نفسها إزاء شحوم البنية الصحية.
فائدة شحوم الأفخاذ
ووفق ما نشرته المجلة الدولية للسمنة International Journal of Obesity في عدد يناير، فإن باحثين بريطانيين من جامعة أكسفورد راجعوا مجموعة الدراسات الحديثة حول توزيع الشحوم في جسم الإنسان، وآثار ذلك على مستوى الصحة ونوعية الإصابة بالأمراض.
وأوضح الدكتور قسطنطينوس مانولوبوليز، الباحث الرئيسي في دراسة جامعة أكسفورد، بأن ثمة حقيقة طبية مهمة مفادها أن هناك تأثيرات صحية لتوزيع الشحوم في الجسم.
وذلك في إشارة منه إلى ما كانت قد أكدت عليه دراسات سابقة أن تكدس الشحوم في منطقة البطن سبب في ارتفاع الإصابة بأمراض شرايين القلب وارتفاع ضغط الدم وباضطرابات الكولسترول والدهون الثلاثية، وأيضا ارتفاع الإصابات بالنوع الثاني من مرض السكري.
ولكن في الدراسة الجديدة،
تبين للباحثين أن تراكم الشحوم في الأفخاذ والإلية، أو ما يُعرف بشحوم gluteofemoral fat، يُساعد على الحماية من الإصابة بأمراض القلب والسكري.
وبالإضافة إلى هذه النتيجة، أعطى الباحثون عدة تعليلات مقترحة لتفسير ملاحظة هذه الفائدة الجديدة.
شحوم البطن الضارة
وحينما نظر الباحثون عبر تلك الدراسات، وجدوا أن الأنسجة الشحمية لا تُصنع بطريقة واحدة، ولا تعمل في الجسم بطريقة واحدة. وشحوم البطن، التي تنتشر متشعبة في ما بين وحول الأعضاء المختلفة الموجودة في مناطق البطن والحوض، هي في الحقيقة شحوم «أكثر نشاطا» في جانب العمليات الكيميائية الحيوية لعمليات الأيض (التمثيل الغذائي) metabolically more active.
وذلك بالمقارنة مع مستوى نشاط الشحوم التي تتراكم في الأفخاذ على المؤخرة.
وتحديدا، ثمة نشاط أكبر في عمليات التكسر والتحلل لدهون منطقة البطن.
وهذا النشاط قد يبدو للوهلة الأولى جيدا، ولكنه في الحقيقة أكثر ضررا، وبخاصة حينما يحصل في أوقات التوتر النفسي والبدني، وليس فقط في حالات الصوم والانقطاع عن تزويد الجسم بمصادر سهلة لإنتاج الطاقة.
ومعلوم أن التوتر يرفع من إنتاج هرمونات مختلفة، يُؤدي بعض منها إلى زيادة تكسير الدهون وتحللها.
كما أن عدم تزويد الجسم بالسكريات، كمصدر سهل لإنتاج الطاقة، يُجبر الجسم على استهلاك الشحوم لإنتاج الطاقة.
والسبب أن عمليات التحلل والتكسر هذه، لا علاقة لها بزوال وذوبان الدهون عن البطن، بل هو عبارة عن نشاط كيميائي حيوي ينتج عنه تكون مواد كيميائية تُدعى «سايتوكاينين»
cytokines.
وارتفاع نسبة هذه المواد في الجسم له علاقة طردية مع ارتفاع احتمالات حصول تراكم الكولسترول داخل الشرايين، وحصول الالتهابات فيها. أي بعبارة أخرى ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب.
كما أنه أيضا مرتبط بازدياد وتيرة مُقاومة الجسم لمفعول الأنسولين
insulin resistance. ومعلوم أنه كلما زادت هذه المقاومة، زاد العبء على البنكرياس لإنتاج المزيد من الأنسولين.
وبالتالي ارتفاع احتمالات سرعة إنهاك البنكرياس، وصولا به إلى حد الفشل، ومن ثم ظهور الإصابة بمرض السكري.
وهذا ما يُفسر أضرار تكرار التقلبات في وزن الجسم، ارتفاعا وانخفاضا، مقارنة مع خفض وزن الجسم والمحافظة على ذلك.
شحوم الأرداف والمؤخرة
أما في شحوم الأرداف والمؤخرة، فإن الأمور تختلف. ذلك أن الأنسجة الشحمية هنا تربط الدهون وتحبسها، وبالتالي لا تُتاح للشحوم هنا فرصة للنشاط في تلك العمليات الكيميائية الحيوية، بكل تداعياتها السلبية.
وقال الباحثون إن هناك أدلة علمية متزايدة على صحة القول بأن شحوم الأرداف أقل ضررا من شحوم البطن.
منها تلك الدراسات طويلة الأمد التي لاحظت تدني الإصابة بأمراض شرايين القلب والسكري لدى مَنْ لديهم شحوم في تلك المناطق. ومنها ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض شرايين القلب والسكري لدى المُصابين بمرض «متلازمة كوشينغ» Cushings syndrome.
والذي يحدث فيه، نتيجة لاضطرابات هرمون الكورتيزون، تدني شحوم الأرداف وزيادة شحوم البطن.
قوة الجينات الوراثية
كما ذكر الباحثون تفسيرا آخر، وهو أن الأنسجة الشحمية في مناطق الأرداف تُنتج هرمون «ليبتين»
leptin. وهذا الهرمون يُقلل من شهية الأكل ويرفع من مستوى الشعور بالشبع.
ولكن ما لم يستطع الباحثون تفسيره هو كيف ولماذا يتجه الجسم لدى البعض نحو تركيز الشحوم في الأرداف والمؤخرة، بينما يتجه الجسم لدى البعض الآخر نحو تركيز الشحوم في مناطق البطن.
ولذا قالوا إن ذلك ربما هو نتيجة لتأثيرات الجينات الوراثية.
وقالوا: إن قوة الجينات الوراثية
genetic force في هذا الأمر واضحة في الاختلاف بين الجنسين بالنسبة لمناطق تراكم الشحوم بالجسم.
وللتشبيه، يستخدم الأطباء كلمة «الكمثرى» لوصف سمنة غالبية النساء، كما يستخدمون كلمة «التفاح» لوصف سمنة غالبية الرجال.
وفي «الكمثرى» يكون الانتفاخ والامتلاء في أجزاء النصف السفلي، بينما في التفاحة يكون الانتفاخ والامتلاء في الوسط.
وغالبا ما تكون سمنة النساء ناتجة عن تكرس الأنسجة الشحمية في منطقة الأرداف والإلية والأفخاذ، بينما تتكدس الشحوم لدى الرجال في منطقة البطن وبين الأعضاء في داخلها.
وهو ما يُفسر، على حد قول الدكتور قسطنطينوس مانولوبوليز، أن النساء أقل عُرضة لخطر الإصابة بأمراض شرايين القلب والسكري، وبخاصة في مرحلة ما قبل بلوغ سن اليأس.
واستطرد بالقول: طالما كانت هناك أنثى، ولديها نسبة طبيعية لهرمونات الأنوثة، فإن تلك المخاطر الصحية منخفضة بالمقارنة مع الرجال.
وما أن تأتي اللحظة التي تبلغ المرأة فيها سن اليأس، تضطرب نسبة الهرمونات الأنثوية ويختلف المظهر التقليدي لتوزيع الشحوم في جسم المرأة، لتظهر الشحوم في البطن وتقل في الأرداف، وبالتالي تفقد المرأة تلك الوسيلتين للحماية من أمراض القلب والسكري، وتتساوى احتمالات الإصابة بهما كما هو الوضع لدى الرجال.
فهم شحوم الجسم
ولدى غالبية الناس، هناك «سمعة سيئة» للشحوم ووجودها في الجسم. ولكن لدى الباحثين الطبيين، تُعتبر الشحوم «عضوا» كبيرا لا يزال محلا للدراسة والبحث.
ولذا يُعلق الدكتور أرون كايبس، طبيب الباطنية في كلية الطب بجامعة هارفارد والباحث في مركز جوسلين للسكري في بوسطن، بالقول: الشحوم هي اليوم أكثر الأعضاء «سحرا وجاذبية» للبحث في الجسم، ونحن لا نزال في بدايات فهمنا لها.
وتقول الدكتورة راكيل وايتمير، الباحثة في مركز كيسر بيرمانينت للأبحاث بأوكلاند في كاليفورنيا: الشحوم لها وظائف في الجسم أكثر مما كنا نظن، في إشارة منها للكثير من الدراسات التي أجرتها حول تلك العلاقة الفريدة فيما بين شحوم الجسم وعمل الدماغ.
وحول الدور الذي تُؤديه الشحوم في الجسم، تقول الدكتورة سوزان فريد، مديرة مركز بوسطن للسمنة وأبحاث التغذية التابع لجامعة بوسطن: من المعلوم أن للشحوم وظيفيتين رئيسيتين.
الأولى، خزن الكميات الفائضة عن حاجة الجسم من مصادر الطاقة، أي تحويل مصادر الطاقة التي نأكلها ولا نحتاج إليها إلى مواد يسهل خزنها ويسهل إعادة سحبها وإنتاج الطاقة منها عند الحاجة.
والثانية، إنتاج عدد من الهرمونات التي تُستخدم لضبط سير العمليات الكيميائية الحيوية للتمثيل الغذائي، أو ما يُعرف بـ«الأيض» metabolism. ولكنها تُضيف: وهذه هي الصورة الأولية، وهناك الكثير من التفاصيل.
أنواع من الشحوم
وهناك عدة أنواع من الشحوم في الجسم. منها الشحوم البنية
brown fat، والشحوم البيضاء
white fat، وشحوم ما تحت الجلد
subcutaneous fat، والشحوم التي تُحيط بالأعضاء visceral fat، وشحوم الأفخاذ
Thigh Fat، وشحوم البطن
belly fat. وثمة الكثير من المعلومات الغريبة حول كل نوع من هذه الشحوم.
ومباشرة تحت الجلد، تُوجد كميات متفاوتة لدى الناس من الأنسجة الشحمية. وعموما، تكون كمية شحوم «ما تحت الجلد» أكثر لدى النساء مقارنة بالرجال.
وكبر حجم البطن لدى شخص سمين هو نتيجة لأمرين:
- الأول، وجود كمية كبيرة من الشحوم في «ما تحت جلد»، غطاء البطن.
- والثاني، وجود كمية كبيرة من الشحوم في «ما بين الأعضاء» التي في البطن. أي حول الكليتين والكبد والأمعاء وغيرها.
ومع هذا علينا ملاحظة أن شحوم «ما تحت الجلد» في الأفخاذ والمؤخرة، تختلف في سلوكها عن شحوم «ما تحت الجلد» في منطقة الجلد المُغطي لمنطقة البطن.
ولذا فإن وجود الشحوم في «ما تحت جلد» البطن شيء ضار، بخلاف وجود الشحوم في «ما تحت جلد» الأفخاذ والأرداف.
حجم الشحوم البيضاء
ومثلا، حينما تكون في الجسم كمية قليلة أو معتدلة من الشحوم البيضاء العادية، فإن تلك الأنسجة الشحمية مفيدة لأنها تُنتج لنا هرمونا يُدعى «أديبونيكتين» adiponectin.
وهذا الهرمون يُساعد الكبد والعضلات على التعامل بتفاعل أكبر مع هرمون الأنسولين الذي يُنتجه البنكرياس.
ولذا يُساعدنا هذا الهرمون على أن لا نُصاب بمرض السكري، وعلى أن تقل احتمالات إصابة الإنسان بأمراض شرايين القلب.
أما إذا زادت كمية الشحوم في الجسم، فإن الأنسجة الشحمية لا تُنتج كميات كافية من هذا الهرمون، وبالتالي لا تتفاعل أجسامنا بكفاءة مع الأنسولين، ونُصبح أكثر عُرضة لإجبار البنكرياس على إفراز المزيد من الأنسولين، وبالتالي أكثر عُرضة للإصابة بالسكري وأمراض القلب.
وما يصنع هذا الفارق في سلوك الأنسجة الشحمية هو حجم الخلية الشحمية الواحدة. ومن المعلوم أن الأنسجة الشحمية مكونة من خلايا شحمية متراصة بجوار بعضها البعض.
وأنه كلما كان حجم الخلية الشحمية أصغر، زادت فرصة نشاطها في إنتاج هرمون «أديبونيكتين».
وما يجعل الخلية الشحمية صغيرة الحجم هو قلة تراكم المواد الدهنية فيها.
وإذا ما زادت كمية الدهون في الجسم، فإنها ستتراكم لا محالة داخل الخلية الشحمية الواحدة، وستنتفخ تلك الخلية وتُصبح أكثر ضخامة. وبالتالي فإن الخلايا الشحمية لدى الأشخاص السمينين تكون أكثر كسلا وخمولا في إنتاج هذا الهرمون المفيد، بالمقارنة مع خلايا الشحم لدى الأشخاص المعتدلين في الوزن.
الشحوم البنية .. فوائدها في إنتاج الطاقة والدفء
وتلقى هذه النوعية الطبيعية من الأنسجة الشحمية اهتماما لافتا في السنوات القليلة الماضية. وكان معروفا من الدراسات التشريحية للجسم أن هذه النوعية من الشحوم توجد في مناطق من الجسم، كما في ما بين الكتفين في الظهر، إلا أن غالبية الباحثين لم يُلقوا بالا لها.
ولكن مما جعلها محل اهتمام هو ملاحظة بعض الباحثين أن كمية الشحوم البنية تكون أكبر لدى الأشخاص المعتدلين في الوزن، مقارنة بذوي السمنة والوزن الزائد.
وأيضا ملاحظتهم أن الأطفال لديهم كمية أكبر من هذه النوعية من الشحوم مقارنة بعموم البالغين.
ووجد الباحثون أن وجودها في الجسم سبب في زيادة وتيرة حرق الجسم للشحوم واستخدامها لإنتاج الطاقة والدفء.
ولذا يعتبرها البعض منهم أقرب إلى الأنسجة العضلية في حرقها للشحوم البيضاء وإعطاء مزيد من الدفء للجسم في الأجواء الباردة.
ولكن كمية هذه الشحوم قليلة في جسم الإنسان البالغ. وللتقريب في التصور، يُشير الباحثون إلى أن جسم الشخص الذي بوزن 150 رطلا (الرطل يساوي 453 غراما تقريبا) قد يحتوي على 30 رطلا من الشحوم.
وكمية الشحوم البنية فيه قد لا تتجاوز 3 أونصات (الأونصة 28 غراما تقريبا).
ولكن إذا ما أُثيرت هذه الأونصات الثلاث لإنتاج الطاقة، فإنها قادرة على حرق حوالي 500 سعر حراري (كالورى) في اليوم، أي مساعدة الجسم على خفض الوزن بمقدار حوالي رطل في كل أسبوع.