الحالة النفسية .. أهم مقومات شفاء مريض السرطان
أصبح من المؤكد والثابت علمياً أن الحالة النفسية لمريض السرطان من أهم مقومات شفائه ونجاح علاجه، وأن إرادة الشفاء بداخله هي العامل الأساسي الذي يحفز الجهاز المناعي بداخله لكي يتصدى ويقضي على هذا المرض اللعين، فإحساس مريض السرطان بالهزيمة، واليأس من شفائه يؤثر بالسلب على الجهاز العصبي المركزي وخاصة منطقة ما تحت المهاد، التي ترسل وتستقبل إشارات دائمة إلى الجهاز المناعي عن طريق أسطول من الهرمونات التي تسمى بهرمونات الانفعال والتوتر، فتؤثر بالسلب على أسلحة المناعة الأساسية التي تقاوم السرطان من مجموعة السيتوكاينز، وإنترليوكين –2، وانترفيون، وعامل تليف الأورام TNF.
وهناك الآن بالفعل فرع علمي أعتقد أنه سوف يكون من أهم تخصصات الطب يسمىPsychoneuroimmunology، يشمل تأثير كل من الحالة النفسية والعصبية للمريض وعلاقتها بكل من جهازي المناعة والغدد الصماء في الجسم البشري.
أبحاث حديثة
ولعل من أهم الأبحاث الحديثة التي أجريت في هذا المجال، هو ذلك البحث الذي أجرته د.باربرا أندرسون أستاذة علم النفس بجامعة ولاية أوهايو الأميركية على 115 من السيدات المصابات بسرطان الثدي في المرحلتين الثانية والثالثة، حيث تعاملت مع نصف هذه المجموعة من خلال العلاج النفسي Psychotherapy الذي يساعد المريض على الاسترخاء والإقلال من التوتر، والتكيف مع الانفعال، بينما تركت النصف الآخر ليتلقى علاجه بالأسلوب العادي دون تدخل لتحسين حالته النفسية.
ولقد أثبتت نتائج هذا البحث أن المجموعة التي كانت حالتها النفيسة أفضل من خلال العلاج النفسي، كانت نسبة هرمونات الانفعال عندها ـ وخاصة الكورتيزول ـ أقل بمقدار 25 % عن التي لم يتم التدخل لدعمها نفسيا، وذلك بعد 4، 8 شهور من إجراء الجراحة. ومن المعروف أن هرمونات الانفعال لها تأثير مثبط على الجهاز المناعي.
ليس هذا فحسب بل إن الأجسام المضادة التي تقاوم الخلايا السرطانية مثل الأجسام المضادة لمادة «الميوسين» التي تزيد مع تقدم الورم السرطاني، قد زادت بنسبة 25 % عند النساء المستريحات نفسيا، وعلى الرغم من انخفاض نسبة هذه الأجسام المضادة في كل من المجموعتين أثناء استخدام العلاج الكيميائي، فإن المجموعة التي كانت تتلقى الدعم النفسي والمعنوي استعادت مستواها في خلال 8 ـ 12 شهرا بعد الجراحة مما يعطيها مقاومة أكبر للورم، بينما لم تستعد المجموعة الأخرى مستوى هذه الأجسام المضادة في جسمها، مما ينذر بعواقب وأعراض أشد بالنسبة للورم السرطاني.
ومن النتائج المشجعة أيضا في هذا البحث أن النساء اللاتي كن يتلقين العلاج والدعم النفسي استطعن أخذ كميات أكبر من العلاج الكيميائي الذي كان من المفروض أن يأخذنه، بينما لم تستطع المجموعة الأخرى إكمال العلاج الكيميائي المطلوب بسبب أعراض جانبية مختلفة ظهرت بنسبة أكثر عشر مرات من المجموعة الأخرى، مما جعل الطبيب يوقف هذا العلاج، الأمر الذي يؤثر بالطبع على احتمالية عودة الورم مرة أخرى.
ولعل هذا البحث وغيره من الأبحاث يثير التساؤل: لماذا لا يكون هناك تخصص ودراسة كافية للأسلوب النفسي لعلاج الأورام، يسير جنباً إلى جنب مع العلاج الجراحي والكيميائي والإشعاعي، حيث إن الحالة النفسية للمريض يمكن أن تعوق كل هذه الأنواع من العلاج، كما أن الأخصائيين أو الأطباء النفسيين الذين يتعاملون مع هؤلاء المرضى ليسوا متخصصين في التعامل مع مثل هذا النوع من المرضى.