وحيدة في أعالي قاسيون بلا بصر وزوج وأطفال
وحيدة في أعالي قاسيون بلا بصر وزوج وأطفال
فقدت الأهل والأطفال والزوج والبصر على مراحل متتالية، لتبقَ رغم كل هذا راضية وسعيدة بما هي عليه الآن.
على الرغم من الفقر والحاجة تبتسم مرحبة بضيوفها وتطلب منهم أن "يوفروا مساعداتهم كلها من أدوات منزلية ومفروشات و طعام ونقود والاكتفاء باصطحابها إلى الطبيب لمعالجة عينيها، عسى وعلّ أن تسترد النظر يوماً".
هي محاسن عبد العليم عبد المحسن، 55 عاماً من العزلة في غرفتين على قمم مخالفات جبل قاسيون.
وتفتقر تلك الغرفتين إلى كل الوسائل المعيشية التي يحتاجها أي شخص من تدفئة إلى عدة مطبخ وحمام إلى غسالة (وإن كانت يدوية) إلى أدوات منامة مريحة أو سجادة متكاملة على أرضية الغرفتين الإسمنتية...
فقدان الأهل، الزوج و...الأطفال
محاسن مصرية الجنسية، لم يتردد أهلها في تزويجها من رجل سوري كونه "ابن حلال" لتترك مصر وتتجه معه إلى دمشق حيث، وبعد عدة سنوات، طلقها بسبب عدم قدرتها على الإنجاب لتواجه الغربة وحيدة، وتبقى الرسائل البريدية صلة الوصل الوحيدة لها مع أهلها في مصر.
وتخبرنا محاسن عن "لجوئها سابقاً إلى جيرانها لكتابة الرسائل لأهلها في مصر، حيث كانت تتلقى الرد، ولكن، ومنذ 15 عاماً، توقفت رسائل أهلها لتبقى رسائلها من طرفها فقط دون أي رد أو جواب"
وتربط محاسن انقطاع أهلها عن الرد على رسائلها أو السؤال عنها " بالزلزال الذي ضرب مصر منذ أكثر من 15 عاماً، فربما قتلوا آنذاك... رحمهم الله ووفقهم إن كانوا بخير"
فقدان البصر
على "الفرشة" الصلبة جلست استمع لها وأمعن النظر ببقايا قطع السجاد المتعددة والصغيرة التي افترشت الأرض، تلك القطع التي كانت يوماً سجادات متكاملة في بيوت الكثيرين.
روت محاسن عن "ولادتها بعين مصابة لتقتصر الرؤية على عين واحدة فقط" ولكن "بعد طلاقها من زوجها بدأت بالعمل في إحدى الفنادق كعاملة تنظيفات مما أثر سلباً على العين السليمة لديها إلى جانب الحزن وارتفاع الضغط، كما أخبرها الطبيب الذي قصدته، مما أدى مؤخراً إلى فقدان النظر كلياً"
ولدى سؤالي عن الدموع المنسكبة من عينها التي كانت سليمة والتي أصابها العمى مؤخراً، أخبرتني محاسن" الدموع تتساقط من عيني بشكل دائم بسبب النور القوي الموجود داخل عيني فقط... فهو قوي جداً، ومن الداخل فقط"
الفقر وسوء الحال لم يمنعا الجيران من المساعدة....
تختلف جنسيات قاطني المخالفات، ليكون الفقر وسوء المعيشة القاسم المشترك بين الجميع، لكن الفقر لم يمنع جيران محاسن من مساعدتها وتقديم العون وفقاً لقدرتهم.
إحدى الجارات تقوم بغسيل ملابس محاسن على الغسالة العادية التي تملك في فترات متباعدة، فيما تقوم جارة أخرى بإرسال قسم من الطعام لها بين الحين والآخر، وبعض الجيران قاموا بمنحها بعض الأشياء القديمة لدى توفر البديل الأفضل حالاً لهم.
ولدى تواجدنا لدى محاسن جاء الطفل إبراهيم الذي يقوم بتلبية طلبات محاسن من الصيدلية أو من الدكان القريب مقابل أجر زهيد من المال تقدمه له.
وطوال تواجدي هناك لم تختفِ "الدعوات عن فم محاسن لكل الجيران وعبارات الشكر لله الذي لم ولن ينسها أبداً بل أحاطها بالجيران الطيبين الذين يقدمون لها العون كلما احتاجت له".
مدفأة كهربائية (آخر عمر) وعدد من "الحرامات"...
تعتمد محاسن للتدفئة في الغرفتين الباردتين أعالي مخالفات قاسيون على مدفأة كهربائية تكاد تكون غير قادرة على تدفئة نفسها، فتلجأ محاسن إلى عدد من "الحرامات" القديمة والممنوحة لها من الجيران وفقاً للبرد الموجود فإن "كان البرد شديداً التحفت بها كلها سوياً"
ولدى سؤالنا عن عدم وجود وسيلة تدفئة أخرى (كالصوبيا) مثلاً، ابتسمت محاسن وقالت "في مصر لا نعرف ما هي صوبيا المازوت وعلى هذا ظل الحال إلى الآن وهذه المدفاة الكهربائية جيدة" وهمت إلى تشغيلها خوفاً علينا من البرد...
سخانة كهربائية للطبخ، بقايا راديو وتلفون "قرص"
لا يحتوي مطبخ الغرفتين على الغاز بل تعتمد محاسن على سخانة كهربائية دائرية "للطبخ"
ولدى سؤالنا عن الأكلات التي تطبخها وما هي آخر "طبخة" قالت "أسلق البيض والبطاطا وعندما أشتهي أي طبخة كبيرة أطلب من جارتي أن تعدها وترسل لي نصيبي أو تدعوني لتناول الطعام معهم في البيت، والحقيقة أني أكون أكثر سعادة عندما أتناول الطعام لديهم حيث أشعر بجو الأسرة والأطفال..."
وفي زاوية الغرفة يتواجد هاتف "قرص" تعتمد عليه محاسن حيث تقوم بالتحسس على الأرقام قبل طلبها، فيما احتل راديو قديم الزاوية الأخرى كوسيلة ترفيه وحيدة في عزلتها.
"جارتي وضعها سيء ساعدوها"
ودعتنا محاسن إلى الباب وهي تدعو لنا بالخير، والحقيقة أن سوء حالها الشديد لم يمنعها أبداً من التكلم عن "سوء حال جارتها التي تحتاج للمساعدة أكثر منها" على حد قولها.
وطلبت منا أن "تقتصر مساعداتنا إن أمكن على اصطحابها إلى طبيب عيون وإجراء عمل جراحي لها كي تستعيد نظرها شاكرة الله على كل شيء وداعية لنا بالخير".
لارا علي - سيريانيوز