أدوية علاج هشاشة العظم الفك (بايفسفونيت ).. مالها وما عليها
دراسة أطباء الأسنان في جامعة هارفارد أوضحت نوعية العلاقة في ما بين تناول أدوية علاج هشاشة العظم osteoporosis وبين نشوء تلف في حيوية أنسجة الفك العظمية، أو «نيكروزز عظم الفك» jaw osteonecrosis. وتأتي هذه الدراسة، المنشورة في عدد يناير من مجلة رابطة طب الأسنان الأميركية، لتزيل بعضاً من الغموض حول دور الأدوية من فئة «بايفسفونيت» bisphosphonates في التسبب بتلك الحالات من تلف عظم الفك.
ومعلوم أن قلة من المرضى تتم معالجتهم بإعطائهم هذا النوع من الأدوية عبر الوريد، وذلك في حالات سرطان العظم ، لتقليل الشعور بالألم، أو لخفض ارتفاع نسبة الكالسيوم في الدم المصاحبة لحالات انتشار سرطان الثدي أو البروستاتا، أو في الحالات الشديدة والمتقدمة من الالتهابات العظمية المفصلية osteoarthritis ، بينما ثمة الملايين من مرضى هشاشة العظم وغيره يتلقون الأنواع المتناولة عبر الفم من تلك الفئة من الأدوية.
فصول جديدة من الآثار العكسية للأدوية
وسبق أن طرحت عدة ملاحظات علمية مفادها أن إعطاء أدوية من فئة بايفسفونيت عبر الوريد، يتسبب بقوة في حصول تأثيرات عكسية على سلامة عظم الفك. لكن تسبب الأنواع التي يتم تناولها عبر الفم بنفس تلك المخاطر على سلامة حياة أنسجة العظم لم يكن واضحاً. والقصة هنا تكرار لتلك السجالات العلمية بين الأطباء والباحثين من جهة وبين شركات إنتاج الأدوية من جهة أخرى في محاولة البحث عن حقيقة الآثار الجانبية والتفاعلات العكسية للأدوية في مراحل ما بعد بدء تسويقها ونصح المرضى بتناولها.
نيكروزز العظم
وتعتبر حالة «نيكروزز العظم»، إحدى الحالات المرضية المهمة، التي يحصل فيها موت، وبالتالي تلف، يطال أجزاء من الأنسجة الحية للعظم، في مناطق شتى من الهيكل العظمي للجسم. وحينما تحدث العملية هذه في عظم الفك فإن ذلك يُؤدي إلى هدم وتلف مكونات عظم الفك، ما ينجم عنه شعور بالألم في الفك، أو ظهور انتفاخ والتهابات ميكروبية في اللثة أو عظم الفك، أو حصول التهابات ميكروبية في اللثة من النوع الذي يصعب بالعلاج تحقيق التئام مناطق الالتهابات تلك، أو تساقط الأسنان، أو الشعور بتخدير وفقد للإحساس في الفك.
وحتى بعد ظهور دراسات تُؤكد على تسبب الأنواع المأخوذة عبر الوريد من أدوية بايفسفونيت في نشوء موت وتلف أنسجة عظم الفك، كان لا يزال المعتقد طبياً أن الأنواع التي يتم تناولها عبر الفم من هذه الأدوية آمنة ولا تتسبب بمشكلة في عظم الفك. لكن صدور دراسة في مايو من عام 2005 أثار ريبة في مصداقية هذا الاعتقاد، حيث أوضحت أن حوالي 10% ممن يتناولون تلك الأدوية عبر الفم هم عُرضة لحصول مشاكل في حيوية أنسجة الفك لديهم.
وهو ما يتطلب منطقياً من الباحثين إجراء مزيد من الدراسات للفصل في حقيقة الأمر، خاصة وأن ثمة ملايين البشر في أنحاء العالم يتناولون هذه الأدوية عبر الفم لمعالجة حالات هشاشة العظم لديهم. وبالفعل قام الباحثون من جامعة هارفارد بتحليل المعلومات الطبية حول أكثر من 700 ألف شخص يتناولون هذه الأدوية لأسباب طبية شتى، سواء عبر الفم أو عبر الوريد.
ووضع الباحثون أهدافاً لمعرفة مدى انتشار الإصابات بإحدى ثلاث حالات مرضية في عظم الفك. وهي إما حالات الالتهابات في عظم الفك، ومن ضمنها حالة «نيكروزز العظم». أو الاضطرار إلى إجراء عمليات في الفك بسبب نشوء حالات من التلف والموت لأجزاء من أنسجة الفك، أو إجراء عمليات لعظم الفك بسبب نشوء حالة من السرطان في أنسجته العظمية.
وأظهرت النتائج أن إعطاء أحد أنواع أدوية بايفسفونيت عبر الوريد يرفع من احتمالات نشوء التهابات في الأنسجة العظمية للفك بنسبة 4 أضعاف لدى مرضى هشاشة العظم، في حين أن إعطاء نفس هذه الأدوية عبر الفم قلل بنسبة 35% من احتمالات نشوء تلك المشكلة لدى مرضى هشاشة العظم.
وقال الدكتور أثاناسيوس زافراس، من كلية طب الأسنان بجامعة هارفارد والباحث الرئيس في الدراسة، هذه أخبار سارة لحوالي 3 ملايين أميركي يتناولون أدوية مثل فوزاماكس Fosamax أو أكتونيل Actonel أو بونيفيا Boniva أو غيرهم من أدوية معالجة هشاشة العظم المأخوذة عبر الفم.
وتعتبر هذه النتيجة مرجحة للكفة حتى اليوم فيما يتعلق باحتمال تسبب النوعيات التي يتم تناولها عبر الفم من أدوية بايفسفونيت بموت أنسجة عظم الفك، إلا أن الأمر يتطلب مزيداً من التأكيد.
بايفسفونيت الهشاشة
الغاية من معالجة حالة هشاشة العظم، هو العمل على محاولة منع حصول تداعياتها الصحية. وبالإضافة إلى الوسائل العلاجية العاملة على بناء العظم، مثل هرمون الغدة جار الدرقية وحبوب فيتامين دي وحبوب الكالسيوم وغيرها، فإن الأدوية المانعة من تحلل العظم وتسريب مكوناته، هي الأساس العلاجي اليوم لحالات هشاشة العظم. وهي ما تشمل أدوية بايفسفونيت وهرمون كالسوتينين المستخرج من سمك السلمون.
إلا أنه وضمن تلك المحاولات العلاجية لحالات هشاشة العظم، ثمة توجه طبي قوي اليوم لاستخدام أحد أدوية فئة بايفسفونيت المأخوذة عبر الفم. وتعمل هذه الأدوية كمانعات لتحلل antiresorptive بناء العظم، أي أن تعمل على إبطاء أو وقف العملية الطبيعية لإذابة أنسجة العظم. ومعلوم أن نسيج العظم الصلب هو نسيج حي تجري في مناطق منه عمليات متواصلة طوال الوقت لبناء أنسجة عظمية صلبة جديدة، وفي مناطق أخرى تجري عمليات إزالة للأنسجة العظمية الصلبة.
وبالتالي يتجدد بناء نسيج العظم ليتحلى بالحيوية والتفاعل مع التغيرات الحياتية التي تحصل فيه.
وإحدى الآليات التي من خلالها تنشأ حالة هشاشة العظم بالمعنى المرضي هي زيادة نشاط نوعية الخلايا المعنية بعمليات إذابة نسيج العظم. وهنا يتوجه عمل أدوية بايفسفونيت في محاولة التغلب على حالة هشاشة العظم، إما لمنع حصولها كوسيلة للوقاية، أو للتخفيف منها كوسيلة للمعالجة.
والمحاذير التي توجب عدم تناول أدوية بايفسفونيت لا تتجاوز في الغالب وجود اضطرابات شديدة في وظائف الكلى أو وجود التهابات وتقرحات في المريء، كما أن الحمل حالة تمنع من تناولها. والآثار الجانبية لتناولها تشمل حرقة في فوهة المعدة أو ألما في البطن أو صعوبة في البلع أو الإمساك أو الإسهال أو زيادة غازات البطن أو الصداع أو ألم العضلات والمفاصل أو تفاعلات الحساسية على الجلد، إلا أنها آثار جانبية نادرة ويُمكن التعامل معها طبياً.
ولعل أفضل طريق للتخفيف منها هو تناول الدواء منها في الصباح، وقبل نصف ساعة من تناول وجبة الإفطار، وشرب كوب كامل من الماء بعدها، والجلوس أو الوقوف لمدة نصف ساعة، أي عدم الاستلقاء على الظهر لمدة نصف ساعة بعد تناول حبة الدواء تلك.
وهذه النوعية من الأدوية، مثل فوزاماكس، فاعلة جداً في إضفاء قوة على بناء العظم وفي تخفيف حصول تداعيات هشاشة العظم. وقد اثبتت الدراسات الطبية جدواها في تقليل الإصابات بكسور فقرات الظهر أو عظام الورك بنسبة 50%.