يعتبر مرض الانسداد الرئوي المزمن Chronic obstructive pulmonary disease (COPD) السبب الرابع للوفيات في الولايات المتحدة.
ويتوقع أن يودي بحياة 126 ألف أميركي هذا العام، وهو ما يعني أنه المرض الوحيد، ضمن 10 أمراض قاتلة، الذي تزداد أعداد ضحاياه كل سنة.
كما أن هذا المرض سبب رئيسي في حدوث الإعاقة لدى 24 مليون أميركي يعانون منه. ورغم اعتباره واحدا من أمراض الرجال فإن أعداد النساء المصابات به تزداد مع الزمن.
الرئوي المزمن، مرض لا يمكن شفاؤه، إلا أن بالإمكان علاجه. ويمكن لتغيير نمط الحياة وللأدوية أن تلعب دورها في مساعدة المرضى المصابين به من التعايش معه، والعيش حياة أطول. ولو تمكنا من فهم كنه هذا المرض، لكان بمقدورنا تجنب أكثر الإصابات به.
يأخذ الشخص العادي أكثر من 20 ألف نفس، أو شهقة، يوميا. ومع كل شهقة واحدة يدخل الهواء نحو القصبة الهوائية (الرغامى)، ثم عبر القصبات الأصغر المسماة الشعب الهوائية.
وتغطي جدران هذه الشعب الهوائية غدد مخاطية تعمل على ترطيب الهواء الداخل، كما يمكن لتلك الجدران الاسترخاء والتقلص للسماح بتوسيع أو تضييق الشعب.
وبعد عبور الهواء للشعب الهوائية فإنه يصل إلى وجهته النهائية، حيث توجد 300 مليون من الحويصلات الهوائية.
وهنا ينفذ الأكسجين إلى مجرى الدم لتغذية أنسجة الجسم، بينما يلفظ الدم ثاني أكسيد الكربون إلى الخارج.
وتجري عملية التنفس بفعل القوة التي تمارسها عضلات الصدر والحجاب الحاجز، الذي يفصل الصدر عن البطن.
وعندما يحدث الشهيق ويأخذ الإنسان نفسا، يتوسع صدره وتتوسع شعبه الهوائية. وعندما يحدث الزفير فإن الأمر ينعكس.
وفي حالة وجود شعب هوائية ضيقة فإن عملية الزفير تأخذ وقتا أطول مقارنة بعملية الشهيق. وكلما كانت الشعب أضيق كان زمن زفير الهواء من الرئتين أطول.
وفي حالات مرض الانسداد الرئوي المزمن تكون الشعب الهوائية ضيقة بشكل غير طبيعي، ولذا فإن تدفق الهواء يجابه بحالة من الانسداد، ويصبح التنفس صعبا.
أسباب المرض
يعتبر التدخين مسؤولا عن 85 في المائة من حالات مرض الانسداد الرئوي المزمن، والمدخنون الأكثر تدخينا يكونون أكثر عرضة لمخاطر الإصابة به.
أما لدى غير المدخنين فإن السموم المتطايرة في الهواء تعتبر السبب في حدوث هذا المرض.
والتدخين السلبي هو سبب مساهم آخر. وتلعب الوراثة دورها في الإصابة بالمرض لدى البعض الثالث، إذ يكون لديهم نقص في (عوز) بروتين «ألفا - 1 أنتيتريبسين» alpha - 1 antitrypsin الذي يحافظ عادة على صحة الرئتين. وفي حالات أخرى، يظل سبب الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن غير معروف.
الأعراض
يبدأ مرض الانسداد الرئوي المزمن بشكل متدرج ويتطور ببطء، ولذلك فإن أعداد الإصابات به تزداد كل سنة بعد أن يأخذ الكثير من الأميركيين في الإقلاع عن التدخين.
وفي البداية لا تظهر أي أعراض - ولكن، شيئا فشيئا، تأخذ المشكلات في الظهور عادة في أواسط العمر.
وغالبا ما يكون «سعال المدخن» الصباحي الشكوى الأولى من المرض. ثم يصبح هذا السعال أسوأ، ويحدث خلال كل أوقات اليوم. ثم وبعد ذلك، يظهر ضيق في التنفس.
وفي البداية لا يلاحظ المرضى إلا ضيقا في التنفس خلال إجرائهم للتمارين الرياضية. ولكن، ومع تطور المرض فإن التنفس يصبح عبئا حتى أثناء الراحة.
كما أن الصفير هو أحد الأعراض الشائعة الأخرى للمرض. كما يشعر المصابون بالإجهاد والضعف، وقد يصبح الصداع الصباحي جليا واضحا.
ويظهر لدى المرضى المصابين بالتهاب الشعب الهوائية سعال متكرر مصحوب بكميات كبيرة من البلغم الثخين الشفاف يوميا تقريبا لفترة 3 أشهر أو أكثر.
ومع الزمن فإن المرض الرئوي سيؤدي إلى إجهاد القلب، ويظهر لدى المرضى نوع من عجز القلب الذي يسمى الداء الرئوي القلبي cor pulmonale.
ونتيجة لهذا يحدث الاستسقاء (أي تراكم السوائل) edema لديهم، ويزداد وزنهم. وقد تصبح شفاههم وجلودهم مائلة للزرقة cyanotic بسبب قلة مستويات الأكسجين في الدم.
أما المصابون بانتفاخ الرئة فيبدون مختلفين، إذ يكون سعالهم شحيحا وجافا، إلا أن ضيق التنفس يكون أشد لديهم، وتنفسهم أسرع من المعتاد.
ويظل لونهم ورديا ولا تتراكم لديهم السوائل، إلا أنهم يفقدون الوزن، وتبدأ عضلاتهم بالاضمحلال ويصبح صدرهم كبيرا وعريضا.
ويظهر لدى غالبية المصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن خليط من أعراض التهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة. كما يظهر إضافة إلى الأعراض اليومية لمرضهم، اثنان أو ثلاثة من الأعراض الحادة كل عام.
وهذه الأعراض الأخيرة غالبا ما تنجم عن عدوى تصيب الرئة. وتظهر لدى 25 في المائة من الذين تظهر لديهم هذه الأعراض الحادة ويتم إدخالهم إلى المستشفى، أيضا خثرات دموية في الرئتين، أو ما يسمى بحالة الانصمام الرئوي (انسداد الشريان الرئوي) pulmonary emboli. وتصبح الأعراض سيئة جدا وتتطلب علاجا قويا وسريعا.
التشخيص
أول ما يسأل عنه الطبيب هو التدخين وتاريخه، والتعرض السلبي له، وكذلك التعرض للأبخرة ودقائق الغبار، إضافة إلى التاريخ العائلي للإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن. وعلى المصاب أن يصف أعراضه مثل السعال وضيق التنفس، والصفير، والإجهاد، والتغيرات في الوزن.
ويشير الفحص الطبي إلى الطريقة اللازمة لتشخيص المرض، إذ يقوم الطبيب بفحص الشفتين، والجلد، والأظافر، لرصد اللون المائل للزرقة فيها الذي يفترض تدني مستويات الأكسجين. وقد تكون الأظافر مدوّرة بشكل غير طبيعي، كما قد يرصد لدى المريض تراكما للسوائل في الرجلين والقدمين.
وفحص الصدر هو الأكثر أهمية. وإن كانت مشكلة المريض هي التهاب الشعب الهوائية فإن الطبيب سيلتقط أعراض الصفير وأصوات قرقرة البطن عبر سماعته الطبية.
أما إن كانت المشكلة هي انتفاخ الرئة، فقد يكون الصدر متوسعا وله صدى الصوت الفارغ عند قرع الطبيب له، رغم أن التنفس يكون جيدا عند سماعه بالسماعة الطبية.
كما تظهر الأشعة السينية كميات الهواء الزائدة في الرئتين في حالات انتفاخ الرئة، إلا أنها قد لا تكون مفيدة جدا في تشخيص التهاب الشعب.
وتظهر الأشعة الطبقية المقطعية أضرار المرض في مراحله الأولى، إلا أنه لا يوجد اختبار بالأشعة يمكنه تحديد شدة مرض الانسداد الرئوي المزمن، أو توقع نتائجه السيئة.
وفي أكثر الحالات يطلب الطبيب إجراء فحوصات إضافية مثل تحليل الدم أو إجراء تخطيط للقلب لرصد أي إجهاد للقلب، وتحليل البصاق وبضمنه البلغم واللعاب، وقياس الأكسجين في الدم.
إلا أن أهم الفحوصات هو فحص وظيفة الرئة المسمى «حجم الزفير الإجباري في ثانية واحدة» forced expiratory volume in one second (FEV1) الذي يقيس كمية الهواء في زفير المريض أثناء إجباره نفسه على قذفها خلال ثانية واحدة.
وتعتمد مقادير هذا المقياس على عمر الشخص وجنسه وطوله. ويمكن للأطباء وبالاعتماد على هذا المقياس تقدير حالة مرض الانسداد الرئوي المزمن ودرجة سوئه، ووضع العلاجات له.
العلاج بنغيير نمط الحياة
- تجنب التدخين: وهذه هي أولى قواعد الوقاية من مرض الانسداد الرئوي المزمن. تجنب أيضا التدخين السلبي.
- التغذية الجيدة: مهمة أيضا وقد وجدت دراسة لجامعة هارفارد شملت 42 ألفا و917 رجلا أن تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والسمك يبدو مفيدا لحماية الرئتين وخفض خطر الإصابة بالمرض، فيما زاد تناول الحبوب المنقحة واللحوم الحمراء من هذا الخطر.
ولا توجد دلائل على فائدة حبوب الفيتامينات، بل إن أحدها وهو «بيتا كاروتين» يزيد من خطر إصابة المدخنين بسرطان الرئة. وعلى المصابين بالتهاب الشعب المزمن وإجهاد القلب تجنب تناول الصوديوم (الملح).
أما المصابون بانتفاخ الرئة الشديد فقد يحتاجون إلى تناول مكملات غذائية ذات سعرات حرارية عالية. ويعتبر تناول السوائل مهما لتخفيف البلغم الثخين، وسهولة لفظه خارج السم.
- التمارين الرياضية: تجعل المرضى يعانون من صعوبة الشهيق والزفير، إلا أن برنامجا تدريجيا ملائما لها قد يؤدي الفائدة بهدف تجهيز عضلات الجسم بالأكسجين اللازم لها الذي لا تؤمنه الرئتان المتضررتان. والمشي أفضل أنواع الرياضة.
- الوقائية من العدوى: مسألة ضرورية وخصوصا الوقاية من عدوى الإنفلونزا وذات الرئة. ولذا يجب التحصين ضدها بالتطعيم باللقاحات المتوفرة. كذلك يجب تجنب مخالطة المصابين بالعدوى، وغسل اليدين باستمرار.
العلاج عن طريق الأدوية
الأدوية الأدوية الموصوفة لعلاج مرض الانسداد الرئوي المزمن تشمل عدة مجموعات من العقاقير:
- عقاقير توسيع الشعب الهوائية bronchodilators: تقوم بإرخاء عضلات جدران الشعب موسعة إياها ومسهلة تدفق الهواء فيها. وأكثرها شعبية من الأنواع التي يتم استنشاقها.
ويحتاج المصابون بمرض الانسداد الرئوي المزمن في حالته الخفيفة إلى عقاقير منها لفترة قصيرة، بينما يحتاج المعانون من الحالات الشديدة إلى فترة أطول.
- الستيرويدات القشرية corticosteroids: وهي عقاقير تقلل من التهابات الشعب الهوائية، ويساعد استنشاقها المرضى في الحالات المتوسطة والشديدة. وتعطى كأدوية عبر الفم أو بالحقن.
- مضادات الكولين anticholinergics: وهي عقاقير موسعة للشعب الهوائية ومخفضة في نفس الوقت لكميات الإفرازات فيها من دون تحويل البصاق إلى بصاق ثخين وثقيل يصعب لفظه. وهي من الأدوية المستنشقة.
- المضادات الحيوية: لا تساعد في العلاج الدائم، إلا أنها مهمة وحاسمة عند ظهور أزمات شديدة مع المرض.
علاجات أخرى
- قناني الأكسجين: يستفيد المصابون بمرض الانسداد الرئوي المزمن الذين يعانون من نقص في مستويات أكسجين الدم من العلاج بالأكسجين على المدى الطويل. ويمكن خزن قناني الأكسجين داخل المنزل لاستخدامها وقت الحاجة.
- العلاج الجراحي: قد يستفيد بعض المصابين بحالات شديدة من انتفاخ الرئة من جراحة في الرئة بعد استشارة خبراء متخصصين. وقد يخضع بعض منهم لعملية زرع رئة.
التعايش مع المرض يأخذ الإنسان، خلال كل فترة حياته نحو 600 مليون نفس أو شهقة، في المتوسط. ويمكن لغالبية الناس الحفاظ على رئتيهم بتجنب التدخين والأدخنة والأبخرة الأخرى.
والتغذية الجيدة مفيدة، وحتى عند إحداث مرض الانسداد الرئوي المزمن للأضرار فإن تشخيصه وعلاجه المبكرين يبطئ عملية إحداث الأضرار، ويدرأ حدوث المضاعفات، ويحسن نوعية الحياة.
ورغم تطوير أنواع جديدة من العلاج فإن سبل الوقاية تظل أفضل أنواع العلاج.
الانسداد الرئوي المزمن
إن مرض الانسداد الرئوي المزمن معقد الجوانب. وهناك نوعان رئيسيان منه، وهما: التهاب الشعب الهوائية المزمن chronic bronchitis، وانتفاخ الرئة emphysema.
وفي كلا النوعين فإن وجود التهاب مزمن في الشعب الهوائية يجعل عملية الزفير صعبة على المصاب. كما تتسبب الشعب المتضيقة أيضا في حدوث الربو - إلا أن تضيق الشعب الهوائية في حالة الربو يكون مؤقتا وغير دائم، بينما يكون دائما في حالة مرض الانسداد الرئوي المزمن.
وفي حالات التهاب الشعب المزمن فإن ازدياد حجم الغدد المخاطية وزيادة إفرازاتها من المخاط هما اللذان يسببان حدوث التضيّق في تلك الشعب.
أما في حالات انتفاخ الرئة فإن التضيق يحدث نتيجة لتضرر الشعب الهوائية نفسها ولذا فإن المرض يكون شديدا.
ويعاني غالبية المصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن من خليط من النوعين، أي من التهاب الشعب الهوائية المزمن ومن انتفاخ الرئة في آن واحد.
إن الشعب الهوائية المتضيقة هي العلامة المميزة لمرض الانسداد الرئوي المزمن، لكن أضرار المرض لا تتوقف عند ذلك. فعندما يحتاج المريض إلى قوة أكبر لدفع الهواء عبر الشعب المتضيقة في عملية الزفير، فإن ذلك يؤدي إلى ازدياد حجم الحويصلات الهوائية بشكل هائل. وتكون الحويصلات منتفخة بكميات كبيرة من الهواء.
ولكن الضغط لا يمثل الجانب السيئ الرئيسي لحالات انتفاخ الرئة، بل تمثله الالتهابات التي تحدث نتيجة وجود مواد مهيجة ضارة يتم استنشاقها مع الهواء.
وكرد فعل، تستجيب كرات الدم البيضاء لهذه المواد، ولكنها وبدلا من السيطرة على هذه المشكلة، فإنها تقوم بإفراز مواد كيميائية تلحق الضرر بأنسجة الرئة ثم تدمرها لاحقا.
ولا تحدث مثل هذه الأضرار المدمرة لدى المصابين بالتهاب الشعب المزمن، رغم أنهم يظلون يعانون من أضرار شديدة.