تجارة الرشاقة أغلقت شبابيك السمنة وتركت باب الموت مفتوحاً وراءها
تجارة الرشاقة أغلقت شبابيك السمنة وتركت باب الموت مفتوحاً وراءها
(دي برس - مجلة ناي)
50 كغ ليس مجرد وزن عادي في حياتها هو الوزن الذي طالما حلمت به، الرقم الذهبي الذي قبلت كرمى لعيونه أن تخضع لكل وصفات الحرمان الغذائي كونها بطاقة العبور إلى عالم النحافة، غير أن سنوات النضال ضد السمنة ذهبت سدى، فازداد توق عليا جبور إلى اليوم الذي سيمكنها من ارتداء الملابس الضيقة، دون أن تبرز الكتل اللحمية المتدلية من جسدها الثخين حتى قرأت إعلاناً في إحدى الصحف يروج لحذاء الرشاقة وخسارة 15 كغ شهرياً، مع المطالبة بارتدائه لخمس ساعات يومياً الإعلان السابق بدا أكثر رحمة من وصفات الحرمان، وإن عجز مارد المصباح السحري بقدراته الخارقة عن تحقيق فحواه.. فكان أن واظبت هذه الفتاة على ارتداء الحذاء دون أن تخسر كيلو غراماً واحداً من وزنها، وبهذا فشلت كل المحاولات الحثيثة لبلوغ وزن مثالي، كان بمثابة مطرح استثماري جديد لنصابين أتقنوا اللعب على أوزان الآخرين عبر صك مصطلحات خادعة تستحوذ على تفكير المتشوقين للرشاقة، واللذين يكتشفون لاحقاً أن بابها موصد، ومن الصعب اجتيازه بمواصفات الإعلان السحرية على الورق والمخفقة على أرض الواقع، إنما بعد أن تسلبهم مبالغ طائلة أوقعت البعض تحت وطأة الديون.
الرشاقة... أمل حياتي
ويستمر مسلسل النصب بطرق أكثر احترافية، جعلت من القرار رقم /284/ لعام 2004 والصادر عن وزير الاقتصاد «مانعاً طرح أيَّ مادة دوائية عشبية تحمل صفة علاجية دون ترخيص صحي من وزارة الصحة» مجرد حبر على ورق، بعد أنا التقطت أعين الرقابة أقبية مخالفة تحولت إلى ورش لإنتاج مستحضرات الرشاقة، يؤكد جورج بشارة مدير «حماية المستهلك» إن هذه المستودعات التي اتخذت من باب مصلى ومخيم اليرموك وجرمانا مكاناً لها، تعمل بآلات بدائية تنتج مستحضرات صابون منحف، وزيوتاً للرشاقة، دون أن تحمل صفة طبية، ما كشف أمره من مستودعات اتبعت خطة توزيع محكمة، عمادها عدد من مندوبي المبيعات، أصابت مستخدمي وصفاتها الخلبية بتحسس جلدي مزمن، دفع والدة مريم إلى الاستغاثة بدائرة الشكاوي في مديرية التجارة الداخلية بدمشق، ما دفع «أسامة الخطيب» مدير الدائرة إلى التحرك «صودرت كافة المواد، ونظمت أربعة ضبوط بحق المخالفين، فضلاً عن إحالتهم للقضاء، كون البضائع المصادرة مخالفة عن سابق إصرار، وظروف تصنيعها سيئة، تعتمد الغش والتدليس»، وتبقى الخطورة في ازدياد عدد المخدوعين تزامناً مع الرغبة الجامحة بوزن مثالي تحول إلى أملٍ يكبِّل حياتهم.
أيامك يا ريداكت
وبعيداً عن أي دروس مستفادة من تجارب الغير، يغالي ذوو الوزن الثقيل بتجريب كل ما هو جديد في عالم النحافة،
ومؤخراً ذاع صيت المستحضر الطبي «الريداكت» بقدرته على إفقاد الشهية، منتزعاً الصدارة من حذاء الرشاقة وبيجاما الساونا للتخسيس السريع، وعلى إثر ذلك نفذ من معظم الصيدليات، التي لا تجد حرجاً في بيعه دون وصفة طبيعة، رغم ما يسببه من مضاعفات صحية وفقاً لخبرة الصيدلانية هالة حداد؛ حيث لا يجوز استعماله لأكثر من 20 يوماً وبعد التأكد من عدم وجود أية اضطرابات معوية لدى الراغب بتعاطيه، ما أصاب راما الفقيه بقرحة معوية مزمنة بعد ابتلاعها لخمس عبوات من المستحضر المذكور على مدار شهرين، أفقدتها أربع كيلو غرامات لتسلبها صحتها وعافيتها..
وحين يذكر الريجيم، لا بد من وقفة مطولة عند وصفات عشبية نجحت هي الأخرى في التنحيف خلال فترة قياسية وبمقدار 9 كغ شهرياً، وأكثرها شهرة «الصبرة + الحنظل»، ولكن ما يجهله المواظبون على شرب هذه الخلطة وبحسب العطار منصور الخطيب، إن استخدام العشبة الأولى ولأكثر من مرة واحد كل ثلاثة أيام يؤدي لتسلخ الأمعاء، وبعد خمس سنوات إلى مرض خبيث، على حين تستخدم في الريجيم يومياً، أما الحنظل فيسبب تشمع الكبد إذا لم تبلغ المدة الزمنية الفاصلة بين استخدامه للمرة الأولى والثانية خمس عشرة يوماً.
ورغم المحاذير السابقة يتلقف المصابون بالسمنة خلطات سوق العطارين وكأنها عصا موسى السحرية التي ستفتح باب الرشاقة على مصراعيه.
الرشاقة.. الرشاقة
وأما قلة حيلة الوصفات الخلبية يسارع ذوو الوزن الثقيل للاحتماء بمشرط الطبيب في وجه البدانة، عبر اللجوء لعمليات تضييق المعدة التي يثني عبد الحميد قوتلي «نقيب أطباء دمشق» على فعاليتها في تخفيف الوزن، مع التذكير بعدم إجرائها إلا لمن تجاوز وزنه المئة كيلو غرام، وخصوصاً أن معظم المرضى يميلون للانتحار بعد العملية، بسب فقدان لذة الحياة «الطعام»، تماماً كما حدث مع وائل ابن الخامسة و العشرين عاماً، الذي قارب الموت وكاد يقدم حياته قرباناً للرشاقة لولا أن العناية الطبية أنقذته في اللحظة الحاسمة.