«اليرقان أو الصفرة هو واحد من أكثر الأعراض التي تتطلب رعاية طبية عند حديثي الولادة، إذ يصاب حوالي 60 في المائة من الأطفال حديثي الولادة و80 في المائة من الأطفال الخدج (حديثي الولادة) باليرقان في أسبوعهم الأول من الحياة.
كما يصاب حوالي 10 في المائة من الأطفال الذين يرضعون طبيعيا، بالصفرة في الشهر الأول من العمر.
ولدى معظم الرضع، فإن اليرقان الذي يصيبهم غير مرتبط بأمراض كامنة، ففي هذا الوقت المبكر يوصف باليرقان الفسيولوجي وعادة لا يكون خطيرا». المركز الوطني التضامني لصحة المرأة والطفل البريطاني.
عندما يولد مولود في حياتنا فهو يجلب السعادة والفرح لدينا. فبطبيعة حالنا كوالدين نريد دائما أن نحمي أطفالنا ونرعاهم فهذه غريزة فطرية.
ولكن عندما يتم تشخيص الطفل بالصفرة فالصدمة ستحول الفرح والغبطة إلى قلق مزمن. تروي إحدى الأمهات في دراسة أجريت في الولايات المتحدة لمعرفة أثر يرقان الأطفال حديثي الولادة عليهم، أنها أصيبت بالذهول والخوف الشديد عندما شخص طفلها به، وتقول إنها كانت متأكدة أن طفلها لن يرجع طبيعيا أبدا.
ويذكر الخبراء أن الصفرة أو اليرقان ليس مرضا في حد ذاته، ولكنه علامة على وجود أمراض مختلفة، فهو يصيب الجلد والأغشية المخاطية وخاصة بياض العيون بالاصفرار. والسبب الأساسي لهذا الاصفرار هو الارتفاع غير الطبيعي لمستوى مادة البيلروبين Bilirubin في الدم.
ويأتي مصطلح الصفرة من الكلمة الفرنسية jaune التي تعني الصفراء. مرض الصفرة عند الأطفال شائع، إذ يشير مركز مكافحة الأمراض الأميركي إلى أن حوالي 60 في المائة من الأطفال يصابون بالصفرة عند الولادة.
أما دراسة أجريت في المملكة العربية السعودية عن الصفرة، فقد بينت أنه واحد من أكثر المشاكل شيوعا بين الأطفال حديثي الولادة.
كيف تحدث الصفرة؟
أثناء وجود الجنين داخل الرحم يكون لديه نوع مختلف من الهيموغلوبين يسمى «الهيموغلوبين الجنيني».
وعند الولادة يقوم الجسم بتكسير وتدمير هذا النوع من الهيموغلوبين وتبديله بخلايا الدم الحمراء التي تحتوي على الهيموغلوبين الطبيعي لدى الكبار.
وتنتج مادة البيلروبين نتيجة لتكسير الدم وهي صبغة صفراء، وتطلق في مجرى الدم عند تدمير خلايا الدم الحمراء.
وينتج حوالي 75 في المائة من مادة البيلروبين عن تدمير الهيموغلوبين. وتتم معالجة البيلروبين داخل الكبد، حيث يركب البيلروبين مع مواد أخرى ويصبح مادة مركبة (conjugated bilirubin) ويتم إخراجه من الجسم غالبا بالإفراز عن طريق البراز.
وبما أن الكبد لدى الأطفال حديثي الولادة لم يكتمل نموه وتكون قدرته على القضاء ومعالجة البيلروبين المفرط محدودة، فإن مستوى البيلروبين يتزايد في الدم.
وعادة تتم عملية تدمير خلايا الدم الحمراء (الجنينية) في خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، في هذا الوقت يكتمل نمو الكبد وتعود مادة البيلروبين إلى مستوياتها الطبيعية.
أنواع الصفرة
هناك أنواع مختلفة من الصفرة التي يمكن أن تحدث في المواليد الجدد، وتشمل ما يلي:
- الصفرة الفسيولوجية: يحدث كرد فعل «طبيعي» على محدودية قدرة جسم الطفل على التخلص من البيلروبين في أيامه الأولى. وهو أكثر أنواع الصفرة شيوعا.
- صفرة لبن الأم: نحو 2 في المائة من الأطفال يتغذون بالرضاعة الطبيعية يصابون بالصفرة بعد الأسبوع الأول.
بعضهم يصاب بيرقان حليب الأم في الأسبوع الأول نتيجة لانخفاض السعرات الحرارية التي يحصلون عليها أو بسبب الجفاف.
وعادة ما تختفي الأعراض بعد عدة أسابيع فلا يحتاج المرض إلى علاج. إذا أصيب الطفل بيرقان حليب الأم، عادة ما يُنصح الآباء والأمهات مواصلة إعطاء حليب الثدي للطفل.
- الصفرة الانحلالي (hemolysis): تفكك خلايا الدم الحمراء بسبب أمراض وراثية (الصحة الإنجابية والمرض)، أو كثرة خلايا الدم الحمراء، أو بسبب النزيف
- الصفرة المتعلقة بخلل في وظائف الكبد بسبب الإصابة أو عوامل أخرى
أعراض وعلامات الصفرة
تظهر الصفرة أولا في الوجه والجزء العلوي من الجسم ويمتد إلى الأجزاء السفلية من الجسم.
وأهم علاماته هي اصفرار عيني وجسم الطفل. كما سيتغير لون البول إلى بني أو أصفر غامق، وذلك بسبب البيلروبين.
إذا كانت مستويات البيلروبين مفرطة، يمكن أيضا أن يكون الطفل متعبا جدا وكثير النعاس وهذه من العلامات الخطيرة ويجب مراجعة الطبيب.
وفي الغالب تكون الصفرة واضحة عندما تزيد كمية البيلروبين عن 5 مليغرامات لكل ديسيلتر، وتكون الحالة خطيرة عندما يرتفع إلى نسبة أعلى من 25 ميلغراما لكل ديسيلتلر.
أضرار الصفرة
هل الصفرة ضارة بطفلي؟ السؤال الأكثر شيوعا عند معظم الآباء والأمهات عن الصفرة هو إذا كان سيكون هناك أي ضرر علي الطفل من الصفرة؟ الخبر السار هنا، هو أن الصفرة الفسيولوجي ويرقان حليب الأم عادة لا يسببان أي مشاكل للرضع، وتختفي الأعراض عادة بعد فترة من الوقت دون الحاجة للعلاج.
ولكن أحد الآثار المثيرة للقلق من الصفرة هو إذا كانت مستويات البيلروبين عالية لفترات طويلة، فهناك احتمال بتأثر المخ، وهذه حالة تعرف باسم kernicterus، حيث تصبح أنسجة المخ ملطخة بالبيلروبين، مما يتسبب في تلف المخ والتشنجات.
وبسبب الآثار الجانبية يفضل معظم الأطباء علاج الصفرة فورا.
أما عند الأطفال الخدج أو حديثي الولادة فعادة يبدأ العلاج مبكرا وذلك لأن الكبد يأخذ وقتا أطول حتى يكتمل نموه، مما يزيد من مخاطر ارتفاع مستويات البيلروبين لفترة طويلة.
تشخيص الصفرة
توقيت ظهور الصفرة يساعد على التشخيص. فإذا ظهر الصفرة في الـ 24 ساعة الأولى عادة ما يكون خطيرا جدا ويتطلب معالجة فورية، فمن المحتمل أن يكون السبب مشكلة داخل الكبد.
وإذا ظهرت الصفرة في اليوم الثاني أو الثالث، فهو يكون في الغالب «فسيولوجيا». ولكن يجب الكشف حتى لا يكون هنالك سبب آخر لليرقان.
أما ظهور الصفرة في وقت لاحق، في الأسبوع الثاني، وغالبا ما يرتبط برضعات لبن الأم، ولكن قد يكون أيضا هناك أسباب أخرى.
لتشخيص الصفرة تجري بعض الفحوص المختبرية، وقد تشمل ما يلي:
- فحص مستويات البيلروبين المباشرة وغير المباشرة: وتعكس هذه المستويات ما إذا كان البيلروبين مركبا مع مواد أخرى من قبل الكبد، بحيث يمكن إخراجه (مباشرة)، أو منتشر في الدورة الدموية (غير المباشرة)
- فحص مستوي خلايا الدم الحمراء
- كشف نوع الدم واختبار التوافق العلاج علاج الصفرة سوف يحدده طبيب طفلك ويعتمد على عوامل كثيرة مثل عمر الطفل، وصحته العامة، وسبب الصفرة ومستوى البيلروبين في الدم. والهدف الأساسي للعلاج هو الحفاظ على مستوى البيلروبين من الارتفاع إلى مستويات خطيرة.
والعلاج قد تشمل ما يلي:
- العلاج الضوئي: وذلك لأن مادة البيلروبين تمتص الضوء، والصفرة وزيادة مستويات البيلروبين عادة تنخفض عندما يتعرض الطفل لطيف الضوء الأزرق.
العلاج بالضوء قد يستغرق عدة ساعات لبدء العمل ويستخدم طوال النهار والليل لفترة يحددها الطبيب.
وأثناء التعرض للضوء يتم تغير وضع الطفل للتأكد من تعرض كل الجلد للضوء. ويجب مراقبة درجة الحرارة لحماية عيني الطفل أثناء العلاج الضوئي.
ويتم فحص مستويات الدم والبيلروبين للتحقق من عمل العلاج الضوئي، وفي أغلب الأحيان يكون الطفل في المستشفى حتى يتم علاجه.
- استبدال الدم: يتم نقل دم للطفل ليحل محل الدم التالف. وهذا يساعد على زيادة عدد كريات الدم الحمراء، وانخفاض مستويات البيلروبين.
ويتم استبدال الدم بضخ كميات بسيطة من الدم للطفل وسحب الدم التالف عن طريق الوريد أو الشريان.
عملية استبدال الدم قد تحتاج إلى تكرار إذا كانت مستويات البيلروبين لا تزال مرتفعة. وعادة يتم هذا الإجراء عندما تكون نسبة ارتفاع البيلروبين لدرجة خطيرة.
- التوقف عن الرضاعة الطبيعية: معالجة صفرة حليب الأم كثيرا ما يتطلب وقف الرضاعة الطبيعية ليوم واحد أو يومين، وإعطاء الطفل لبن مخصص لتخفيض مستويات البيلروبين.
ويمكن استئناف الرضاعة الطبيعية بعد ذلك. فبعض الخبراء يعتقدون أن لبن الأم يمكن أن يؤثر على وظيفة الكبد لفترة قليلة، لذلك ينصحون بتوقيف اللبن ليومين وبعدها ترجع الأمور طبيعية.
وأحيانا يكون السبب عدم وجود لبن كاف للطفل وفي هذا الحال يجب إعطاء اللبن في فترات متقاربة. لذلك يجب معرفة السبب الأساسي للصفرة حتى يتم العلاج المناسب.
- معالجة الأسباب: أي معالجة السبب الكامن وراء hyperbilirubinemia ، مثل العدوى.
ما هو دور الآباء؟
في معظم الحالات سبب الصفرة عند الرضع هو فسيولوجي وكما ذكر أعلاه لا يوجد أي ضرر بسبب ذلك.
ولكن علينا أن نكون يقظين لحماية أطفالنا، فالأبوة والأمومة هي تحد نحن في حاجة إلى التكيف معها، بما في ذلك المرض أو المشاكل الأخرى التي قد تواجه أطفالنا، حتى في الأيام الأولى من حياتهم.
وإذا لاحظنا اصفرار الطفل، من الأفضل الاتصال على الفور بالطبيب، حتى يتسنى حصول الطفل على الرعاية المباشرة والسريعة.
فالصفرة هو مرض لا يمكن منعه، ولكن التشخيص المبكر مهم جدا للعلاج وتقليل المضاعفات.