أمراض القلب والأوعية الدموية مسؤولة عن نحو ثلث الوفيات في الولايات المتحدة. وفي المعدل فإن أمراض الشرايين التاجية ستؤدي إلى وفاة شخص أميركي واحد كل دقيقة واحدة هذا العام.
والنوبات القلبية، والسكتات القلبية، قد أصبحت كثيرة الشيوع حاليا، بحيث أضحت تبدو وكأنها طبيعية أو حتمية.
عندما يُتوفّى شخص في السبعين أو الثمانين من عمره، فإن الحدث لا يبدو مهما، إلا أن الناس يصابون بالدهشة عند حدوث الوفاة لشخص في الثلاثين أو الأربعين من عمره.
وفي الواقع فإن أمراض القلب تزداد باستمرار وبشدة مع تقدم العمر، إلا أن أمراض الشرايين التاجية «coronary artery disease» ((CAD ليست نادرة بين صفوف الشباب.
لماذا تحدث النوبات القلبية بين الرجال والشباب؟
وما الذي تقدمه لنا من معلومات حول أمراض القلب في أواسط العمر وما بعده؟
قلب الشباب
إن أمراض الشرايين التاجية تكون نادرة لدى الشبان الصغار في السن، إلا أنها تبدأ في الظهور لدى الشبان الأكبر سنا.
وفي الولايات المتحدة يبلغ متوسط العمر لحدوث نوبة قلبية لدى الرجال 65 سنة. ولذلك توصف أمراض الشرايين التاجية بأنها أمراض الأشخاص المسنين.
إلا أن ما بين 4 و10 في المائة من كل النوبات القلبية تحدث قبل عمر 45 سنة، وتقع أغلبها لدى الرجال. وهذه إشارة إلى الرجال بأن لا يهملوا العلامات التحذيرية، لأنهم «لا يزالون في عمر الشباب»، معتقدين أنه العمر الذي لا تقع فيه النوبات القلبية.
وبما أن تصلب الشرايين يمكنه أن يظهر ويتطور في مرحلة الشباب، فإنه إشارة إلى ضرورة الشروع باتخاذ سبل الوقاية منذ مراحل الحياة الأولى قبل أن تتطور المشكلة.
ما الذي يكسر قلوب الشباب؟
تنجم كل النوبات القلبية تقريبا، لدى الرجال الأكبر سنا، عن الانسداد في الشرايين التاجية بعد تصلبها. ولدى البالغين من الشباب تؤدي أمراض الشرايين التاجية إلى حدوث نسبة عالية تصل إلى 80 في المائة من النوبات القلبية.
ويعاني نحو 60 في المائة من هؤلاء المرضى مرضا في واحد من الشرايين التاجية، وفي المقابل يعاني الأشخاص الأكبر سنا أمراضا في اثنين أو ثلاثة من الشرايين التاجية.
ولأن أمراض الشرايين التاجية هي السبب الأكثر أهمية للنوبات القلبية المبكرة، فإنه يتوجب التركيز عليها، إلا أن علينا الاهتمام بالأسباب الأخرى.
وفي نطاق واسع من الأرقام فإن نحو 4 في المائة من النوبات القلبية التي تقع لدى البالغين من الشباب، تحدث نتيجة العيوب الخلقية في الشريان التاجي.
كما يرتبط 5 في المائة منها بحدوث جلطات من خثرات دموية تكونت في موقع ما من الجسم وانتقلت نحو الشريان التاجي السليم، الأمر الذي يؤدي إلى انسداده.
وهناك 5 في المائة أخرى أيضا من النوبات القلبية ترتبط بعدد من اضطرابات تخثر الدم، التي تؤدي إلى خطر تكون الخثرات في مختلف أنحاء الدورة الدموية، وضمنها الشرايين التاجية.
وأخيرا فإن نطاقا من المشكلات الأخرى يؤدي إلى حدوث الـ6 في المائة المتبقية من حالات النوبات القلبية لدى البالغين من الشباب.
وتشمل هذه المشكلات: تقلصات أو التهابات الشرايين التاجية، وعلاج أورام الصدر بالأشعة، وصدمات الصدر، والإدمان على الكوكايين، والأمفيتامينات، أو المخدرات الأخرى.
وكل واحدة من هذه المشكلات تحمل مأساتها. ولكن تصلب الشرايين، وهو مشكلة شائعة ويمكن درؤها، يُعتبر أكثر المشكلات مأساوية.
تصلب الشرايين
غالبا ما يفسر الأطباء حالة تصلب الشرايين atherosclerosis بأنها «تصلب في الشرايين»، إلا أن الأمر أكثر تعقيدا من هذا، وينبغي التوجه بالشكر إلى المصطلح الإغريقي نفسه، لأن اسمه هذا يحمل معنى أكثر تعقيدا، فالنصف الأول من المصطلح وهو كلمة athere بالأصل تعني بالإغريقية «عصيدة أو ثريدا»، بينما يعني النصف الآخر من المصطلح، وهو كلمة sclerosis «تصلبا».
وفي الواقع فإن تصلب الشرايين يبدأ عندما تترسب في الشرايين مواد دهنية لينة، وتحتاج هذه المواد إلى فترة ما لكي تتحول إلى طبقة من الترسبات، تؤدي إلى تضييق الشريان وتصلب جدرانه.
ويبدأ تصلب الشرايين من الدم، لا من الشرايين، فالزيادة في كميات الكولسترول منخفض الكثافة LDL (الضار) تتغلغل نحو البطانة الداخلية للشرايين، وتقوم تدريجيا بتكوين الترسبات، بدءا من بلورات صغيرة جدا، تصبح لاحقا شرائط من الترسبات الدهنية التي يمكن رؤيتها.
كما تتضرر الشرايين بممارسة التدخين، وبارتفاع ضغط الدم، ونتيجة الإصابة بمرض السكري. ولا تتسبب الشرائط الدهنية في أي ضرر، وإن حدث وكان مستوى الكولسترول العالي الكثافة HDL (الحميد)]/أ] عاليا، فإنه سيتمكن من سحب الكولسترول الضار وإبعاده عن الشريان.
ولذا فإن تقليل مستوى الكولسترول LDL الضار، وتقليل ضغط الدم المرتفع، والتحكم في مرض السكري وفي السمنة، وتجنب التدخين، كل هذه العوامل بمقدورها أيضا المساعدة في ذلك، ولكن، ومن دون هذه المساعدة، فإن الشرائط الدهنية ستتحول إلى طبقات من الترسبات المتراكمة.
وتكون أولى الطبقات المترسبة صغيرة ولينة، وعندما تقوم خلايا الدم البيضاء المسماة macrophages (الخلايا البالعة الكبيرة) بالتهام الكولسترول، فإنها لا تقلل الأضرار، بل تصب الوقود فوق النار، وذلك لأنها تحفز على حدوث الالتهابات. ومع تطور هذه الأمور تتضخم خلايا العضلات الموجودة في جدران الشريان، وتتضخم طبقات الترسبات لكي تسد جزئيا مجرى الشريان.
وتقوم الطبقات المترسبة الناضجة الأكبر بتوليد بقع متليفة، وتتوقف عن النمو.
وهذه الطبقات المستقرة بمقدورها أن تتسبب في حدوث آلام الصدر المسماة «الذبحة الصدرية» angina، إلا أنها لا تقود في العادة إلى التحفيز على وقوع نوبة قلبية. أما الطبقات المترسبة الجديدة الصغرى غير المستقرة فيمكنها أن تتكسر.
وحينما يحاول الجسم تدارك الأضرار فإن خثرات دموية تتشكل على هذه الترسبات المتكسرة. وهكذا، وكما في حالة الالتهابات، فإن دفاع الجسم يتحول إلى هجوم عليه، إذ تقوم الخثرات الدموية بسد الشرايين تماما، الأمر الذي يؤدي إلى توقف تغذية عضلة القلب بالدم المشبع بالأوكسجين. وهذا ما يؤدي إلى هلاك خلايا العضلة ويقود إلى وقوع نوبة قلبية.
النوبة القلبية تظهر بسرعة في غضون عدة دقائق، رغم أن حالة تصلب الشرايين نفسها عملية بطيئة تحدث عبر السنين، وغالبا ما تنشأ منذ الطفولة.
بدايات أوجاع القلب
بهدف دراسة أصول تصلب الشرايين، شكّل علماء من 15 مركزا طبيا، مجموعة للبحث أطلق عليها «المحددات المرضية – البيولوجية لتصلب الشرايين لدى الشباب» Pathobiological Determinants of Atherosclerosis in Youth (PDAY) research group.
وخلال 7 سنوات، قام الباحثون بالتدقيق في عوامل الخطر لأمراض القلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين لدى 2876 شخصا، بين أعمار 15 و34 سنة، كان ثلاثة أرباعهم تقريبا من الذكور، وكان كل الأشخاص المدروسين من ضحايا حوادث القتل أو الانتحار، الذين تم تشريح جثتهم بعد وفاتهم مباشرة.
ودقق الباحثون في علامات تصلب الشرايين، كما راجعوا سجلات التاريخ الطبي للضحايا، وحللوا عينات من الدم لقياس مستويات الكولسترول، ورصد مادة «ثايوسيانيت» thiocyanate، وهي مؤشر كيميائي على التدخين.
وكانت النتائج مذهلة، خصوصا لدى الذكور، فقد أمكن رصد الشرائط الدهنية الدالة على تصلب الشرايين في داخل الشرايين التاجية في أعمار صغيرة لا تزيد على 15 سنة، ثم أصبحت الشرائط أكثر وضوحا في أعمار 20 سنة.
وعموما فإنه لوحظت دلائل على أمراض الشرايين التاجية لدى 2 في المائة من الذكور الشبان، و8 في المائة من الذكور الآخرين الأكبر سنا.
وكما كان متوقعا فإن الأشخاص الذين كان لديهم مستوى عال من الكولسترول الضار LDL ومستوى قليل من الكولسترول الحميد HDL، وارتفاع في ضغط الدم، وارتفاع في مستوى السكر في الدم، كانوا من أكثر المصابين بالمرض. وكان كل من التدخين والسمنة أيضا، حتى لهؤلاء المراهقين والشبان، سببا في زيادة خطر تصلب الشرايين.
إن تصلب الشرايين هو السبب الرئيسي للوفيات في الولايات المتحدة، وكذلك في عدد من الدول الأخرى، ورغم أن الأطباء قد حققوا نجاحات في علاجه، فإن الوقاية تظل خيرا من العلاج، وذلك بالتوقف عن التدخين وتجنب تناول الدهون وإجراء التمارين الرياضية.
عوامل الخطر .. لأمراض القلب لدى الشباب
حصة الأسد في أمراض القلب لدى الشباب تعود في أسبابها إلى نفس عوامل الخطر التي تتسبب في حدوث أمراض الشرايين التاجية لدى الأشخاص الأكبر سنا.
وتشمل هذه العوامل: التاريخ العائلي لأمراض القلب، والتدخين، وارتفاع مستوى الكولسترول، وارتفاع ضغط الدم أو حالة «ما قبل ضغط الدم المرتفع»، وسمنة الكرش، والسكري، ومتلازمة التمثيل الغذائي (الأيض)، والخمول، والعدوانية، وارتفاع مستوى بروتين «سي ري-أكتيف»، وتدني المستوى التعليمي.
وقد تناولت دراسة «تطور مخاطر أمراض الشرايين التاجية لدى البالغين من الشباب» The Coronary Artery Risk Development in Young Adults (CARDIA) study هذه الجوانب.
وقيم الباحثون أكثر من 5 آلاف شاب من البالغين بين أعمار 18 و30 سنة، على مدى نحو 15 سنة، بهدف التعرف على عوامل الخطر التي أثرت أكثر على تكلس الشرايين، الذي تم رصده بواسطة التصوير الطبقي المحوري.
وقد زاد تدخين 10 سجائر يوميا من احتمال أمراض الشرايين التاجية بنسبة 50 في المائة، كما أدت زيادة الكولسترول الضار LDL بمقدار 30 مليغراما لكل ديسيلتر، إلى زيادة الخطر بنسبة 50 في المائة، وزيادة 10 مليمترات زئبق في الضغط الانقباضي إلى زيادة الخطر بنسبة 30 في المائة، وزيادة 15 مليغراما في كل ديسيلتر في مستوى سكر الدم، إلى زيادة الخطر بنسبة 20 في المائة.
ومن سوء الحظ أن عوامل الخطر تزداد في سنوات المراهقة، خصوصا لدى الأولاد. ولا يعرف الكثير من الشباب شيئا عن عوامل الخطر، فقد أظهرت نتائج استطلاع أجري على أكثر من 4 آلاف شخص سليم الجسم، كانت أعمارهم في المتوسط 30 سنة فأكثر، أن 65 في المائة منهم لم يتمكنوا من ذكر أي من عوامل الخطر الستة الرئيسية المهددة للقلب.