إن فم الإنسان مهم جدا، كونه يمثل البوابة الرئيسية للجهازين الهضمي والتنفسي. والفم معبر خطير كونه أيضا عرضة لعدوى الإنسان بمختلف الأمراض والميكروبات.
قد تظهر لدى بعض الناس أمراض فموية على شكل تقرحات بمختلف الأحجام والألوان، أو قد تكون على شكل تغيرات أو انتفاخات في أنسجة الفم أو في اللثة.
وربما تكون هذه الأعراض مصاحبة لأمراض مختلفة تصيب الجسم. والسؤال هنا: هل الأمراض التي تصيب الفم تنتقل عن طريق العدوى من شخص إلى آخر، وهل هناك أمراض تنتقل عن طريق الفم؟
العدوى عبر الفم
في البداية يجب أن نعرف معنى العدوى الفموية: وهي نوع من أنواع انتقال المرض من شخص إلى آخر وتكون عن طريق اللعاب أو الأكل أو الشرب.
أغلب الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى بالفم هي الأمراض الناتجة عن الإصابة بالفيروسات والأمراض الجسدية التي تكون تغيرات الفم إحدى الأعراض الناتجة عنها.
وتجدر الإشارة إلى أن أنسجة الفم مشابهة كثيرا لأنسجة الجهاز التنفسي، لذا فإن أي ميكروب موجود في اللعاب يحتمل أن ينتقل إلى الجهاز التنفسي.
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق العدوى عن طريق الفم كثيرة من أهمها:
1- أمراض الجهاز التنفسي بمجملها، الفيروسية منها والبكتيرية. وأهم تلك الأمراض هو مرض الأنفلونزا الشهير، الذي ينتقل عن طريق رذاذ اللعاب، ومن أحدث أنواعه، الذي سبب الذعر للناس في وقتنا الحاضر، ما يسمى بأنفلونزا الخنازير، حيث دلت التقارير الطبية على أن الفيروس المسبب «أيه إتش1 إن 1» ينتقل عن طريق رذاذ اللعاب المنتشر في الهواء أثناء التنفس أو السعال أو العطس.
ومن أشهر الأمراض القديمة، التي تنتقل عن طريق الفم، مرض السل الشهير، الذي ما زال موجودا في المجتمعات الفقيرة المزدحمة.
2- مرض الهربس: يعتبر هذا المرض من الأمراض المعروفة منذ القدم، والذي يصيب الجنس البشري، حيث إن الجسم يمثل البيئة المناسبة لحياة الفيروس.
وينتشر هذا المرض في المناطق المزدحمة، خاصة في المجتمعات الفقيرة، ويصيب الصغار والكبار.
هناك نوعان من الفيروس الناقل للمرض. النوع الأول منهما (Herps virus type I) هو الذي ينتقل عن طريق الفم، خاصة عند الملامسة المباشرة مثل التقبيل.
وتكمن المشكلة في أن هذا الفيروس بعد إصابته للجسم يستوطن في العقد العصبية لأعصاب منطقة الفم والوجه.
ونتيجة لضغوط معينه يعاود الظهور مرات عديدة بعد الإصابة الأولى ليصيب الغشاء المخاطي للفم والجلد في منطقة الوجه، وأثناء الفترة النشطة للمرض ينتشر الفيروس في إفرازات اللعاب والمخاط وفي أماكن الإصابة، الذي بدوره يؤدي إلى انتشار المرض.
ويظهر المرض عادة في شكل تقرحات فموية تسمى بالتقرحات الفيروسية والتهابات اللثة والفم (gingivostomatitis)، وهي عبارة عن تقرحات محتوية على سوائل، وتصيب منطقة الشفاه والأنف وكذلك الذقن.
وفي الأطفال تمتد فترة حضانة الفيروس من 2 إلى 12 يوما، حيث يصاب الطفل بتقرحات عديدة منتشرة في كثير من أجزاء الفم، ويكون مصاحبا لارتفاع في درجة الحرارة، صداع وتعب شديد.
وقد يبقى هذا الفيروس في الجسم لسنوات عديدة مسببا عدة إصابات، وفي بعض الأحيان يبقى خاملا في الجسم.
فعندما تتكرر الإصابة به مرة أخرى نتيجة لتنشيط الفيروس مرة أخرى يسمى التهاب البرد (cold sore) فتصبح التقرحات صغيرة مملوءة بالسوائل وتصيب حواف الشفتين.
ومن العوامل المؤدية إلى التقرحات المتكررة ارتفاع درجة الحرارة، ونقص في مناعة الجسم، واضطرابات نفسية وحروق الشمس.
والعدوى بهذا المرض تكون في أشدها عندما تكون التقرحات مفتوحة، ويكون السائل الذي بداخلها مكشوفا.
وتتماثل هذه التقرحات للشفاء خلال أسبوع واحد من غير علاج، ويمكن استخدام المسكنات الموضعية في حالة الألم.
3- هنالك نوع آخر من الفيروسات يسبب تقرحات في الفم أيضا، وتنتقل العدوى من خلاله ويسمى بـ«كوكساكي» (Coxsackie virus) ويؤدي إلى نشوء تقرحات في اليدين والقدمين إضافة إلى أنسجة الفم.
4- نوع آخر أيضا من الفيروسات يسمى «بابستين بار فيروس» Epstein-Barr virus (EBV) وهذا النوع من الفيروس ينتقل عن طريق العدوى بالفم ويسبب مرضا يسمى بمرض «القُبَل» (kisses disease).
تقرحات الفم
وقد يصيب كثيرا من الناس نوع من التقرحات تكون محدودة في الفم فقط وغير مصاحبة لأعراض أخرى في الجسم، وهي غير معدية، ونذكر منها:
التقرحات القلاعية (apthous ulcers)
وهي عبارة عن تقرحات تصيب أغشية الفم المبطنة، حيث تكون في اللثة، الغشاء المبطن للخد، اللسان، سقف الحلق وكذلك الشفتين.
ويتراوح عدد التقرحات من واحدة وربما تصل إلى عشرة موزعة في أجزاء الفم. ويكون شكلها بيضاوي وسطحي، وقد يغطيها غشاء أبيض ويحيطها احمرار في الأنسجة المبطنة للفم.
بالتقرحات الفموية (recurrent apthous ulcers)
قد يصاب الشخص بالتقرحات الفموية أكثر من مرة واحدة وتسمى بالتقرحات المتكررة (recurrent apthous ulcers). ويقسم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام، ويختلف باختلاف حجم التقرح.
أما بالنسبة إلى الأسباب المؤدية إلى هذا النوع من التقرح، فأكثرها غير معروف أو محدد، ولكن يعتقد أن الاضطرابات النفسية لها تأثير كبير في حدوثها، وكذلك الوراثة، أو الاختلال في الجهاز المناعي لدى المريض، أو تناول بعض الأطعمة التي تسبب تهيجا في الأغشية المخاطية للفم أو التي تسبب جروح، أو الأطعمة الساخنة جدا، وقد تصاحب العلاج الكيميائي لمرضى السرطان في الوجه والفكين أو العلاج الإشعاعي. ومن الأسباب أيضا تناول الكحول والتدخين.
ولا ننسى بعض الأمراض والاضطرابات في الجهاز الهضمي المزمنة، ولذلك من المهم جدا إجراء الفحص الطبي الدقيق للتأكد من الأسباب المؤدية للتقرحات.
فيجب عمل فحص للدم أولا لمعرفة مستوى الهيموغلوبين، لأنه عندما تقل نسبة الحديد في الدم قد تكون من إحدى سماته وجود هذا النوع من التقرحات.
وكذلك أخذ عينة أو مسحة من التقرح لمعرفة إذا كانت هناك أي التهابات فيروسية أو بكتيرية.
الإيدز والتهاب الكبد
ماذا عن مرض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي؟ هذا السؤال الذي يتردد كثيرا، وهو مدى جدوى انتقال فيروس الإيدز والكبد الوبائي عن طريق الفم.
والجواب هو أنه لم ترد حالات إصابة بالعدوى بمرض الإيدز عن طريق الفم، حيث إن هذا المرض ينتقل عن طريق الدم وليس الفم.
ولكن كانت هناك تقارير حالات أصيبت بالمرض عن طريق عيادات الأسنان. وهذا يدل دلالة قويه على أهمية اتباع طرق مكافحة العدوى الصحيحة في عيادات الأسنان منعا لحدوث مثل هذه العدوى الخطيرة.
وبالنسبة لمرض الكبد الوبائي، فإنه ينتقل عن طريق الدم، ومن المحتمل أيضا أن ينتقل عن طريق اللعاب بجميع أنواعه.
أما انتقال الميكروبات من الفم إلى باقي أعضاء الجسم الأخرى، فهي ممكنة، وهناك أدلة كثيرة على ذلك.
فالأبحاث الطبية تشير إلى وجود علاقة بين أمراض اللثة والعظم المحيط بالأسنان وأمراض القلب والرئة، وكذلك قلة وزن الطفل حديث الولادة ومرض السكري.
والسبب بصفة عامة يكمن في إمكانية انتقال بكتيريا معينه عن طريق الدم من اللثة المريضة إلى أجزاء الجسم، وقد يكون لتلك البكتيريا دور في أمراض القلب والشرايين