مناقشات طبية مستمرة حول الرياضة وتأثيراتها على المرأة الحامل
مناقشات طبية مستمرة حول الرياضة وتأثيراتها على المرأة الحامل
على الرغم من أن الحمل ليس حالة «مرضية»، إلا أنه يظل حالة من «الوهن» والضعف البدني والنفسي وعلى الرغم من كل التغيرات التي تطرأ على جسم المرأة خلال الحمل، وعلى الرغم من أن ثمة حالات من الحمل المستلزم للراحة، إلا أن تنشيط الجسم وعضلاته بصفة معتدلة ومناسبة للحالة الصحية للحامل شيء يظل ضرورياً من الناحية الصحية، خاصة أننا نتحدث عن تسعة أشهر متواصلة، ومتكررة في عمر المرأة.
سجال طبي
الأساس هو أن المتابعة الطبية للحوامل، وسيلة لتحقيق أفضل ما يُمكن من سلامة الأم الحامل والحمل والجنين وإتمام ولادته. ولاستشارة الطبيب، في كل ما يهم الحامل من تساؤلات دور في تحقيق ذلك.
وليس السؤال: هل تُمارس الحامل الرياضة البدنية؟
بل السؤال: كيف ومتى ولماذا عليها أن تُمارسها؟
والسبب أن النصيحة الطبية، على وجه العموم، للحوامل بممارسة الرياضة تظل محدودة، وهي بين أخذ ورد بين الأطباء خوفاً على سلامة الحمل والحامل والجنين. وعلى وجه الخصوص، تختلف على حسب صحة المرأة والحمل والجنين، وعلى مدى ممارسة المرأة للرياضة قبل الحمل.
وهذا الجانب مهم، لأن تعلم مهارات ممارسة الرياضة، وبالطريقة الصحية في ضبط المسافة والجهد وتغيرات نبض القلب، لا يكون لأول مرة في فترة الحمل. وتشير مصادر طب الحمل إلى أن بإمكان منْ تعودت ممارسة الرياضة قبل الحمل، الاستمرار فيها مع بدء الحمل.
والأفضل ممارسة الرياضة على فترات قصيرة ومتكررة. وأن يكون ثمة توازن في ممارسة تمارين هوائية، إيروبيك، وتمارين مرونة للعضلات والمفاصل، وتمارين تقوية للعضلات. ومع مراعاة تناول السوائل، وتجنب التعرض للإجهاد أو لأنواع من الرياضة المتطلبة لمهارات في الحركة والتوازن، فإن من الأفضل تخفيف ممارستها في ما بين الأسبوع 12 و24 من عمر الحمل.
ولكي نفهم ما بمقدور الحامل، القيام به من أنشطة بدنية رياضية، علينا أن نُدرك ما هي التغيرات البدنية والنفسية المُؤثرة على قدرتها في الحركة والنشاط، وذلك بالمقارنة مع المرأة غير الحامل.
ثمة أربعة جوانب رئيسية، تتفرع عنها جوانب أخرى، يجب وضعها في الذهن حال تفكير الحامل في قدراتها البدنية على أداء المجهود الرياضي، بأي نوع ومن أي درجة كان.
1- زيادة الوزن
ويحصل بشكل طبيعي وصحي، تدرج في زيادة وزن جسم المرأة. وهو ما يُتابعه الطبيب خلال مراجعة الحامل للعيادة. والإشكاليتان الأهم لتلك الزيادة هما، تأثيره على القدرات العامة للحركة في عضلات ومفاصل الجسم كله. وتأثير تلك الزيادة المتركزة في منطقة البطن، نتيجة لنمو كتلة جدار الرحم وحجم الرحم والجنين والمشيمة. والزيادة في الوزن بحد ذاتها سبب في صعوبات تواجهها الحامل في الحركة العادية، أو في ممارسة حركات بارعة كالتي في شتى أنواع الرياضات.
2- تغير مركز الجاذبية
الزيادة في وزن وحجم منطقة البطن تؤدي إلى انتقال مركز ثقل الجسم وجاذبيته نحو الأمام، بدلاً من العمود الفقري كما هو الطبيعي. ولذا، ودونما تشعر الحامل نفسها، فإن الجسم يعمل على تعديل وتوازن ذلك المركز الجديد للثقل عبر تغيير هيئة شكل الجسم أثناء الجلوس أو الوقوف أو المشي.
وإعادة التوازن هذه تتم بوضع الجسم لمزيد من الضغط على منطقة أسفل الظهر. ولذا نلحظ أن المرأة الحامل، وخاصة في المراحل التي يبدو فيها كبر حجم البطن، هو تقعر سلسلة عمودها الفقري، وكأن الحامل تمشي وهي مُرجعة لأعلى جسمها إلى الخلف. أي لمعادلة ذلك التقدم للأمام في منطقة البطن.
وهذه الآلية، وإن كانت ستُعيد التوازن للوقوف أو المشي إلا أنها ستُؤدي إلى أمرين؛ الأول أن ليس بالإمكان في هذه الوضعية للجسم ممارسة الهرولة أو غيرها دونما احتمالات عالية للسقوط، والثاني أن مزيداً من الضغط سيقع لا محالة على أسفل، وبالتالي فإن احتمالات الشكوى من ألم في أسفل الظهر تُصبح عالية. والواقع أن أكثر من نصف الحوامل يشكو من ألم في تلك المنطقة.
3- التغيرات الهرمونية والمفاصل
ما تُحاول أجهزة الجسم فعله خلال مرحلة هو خدمة ما يُسهل تتابع مراحل الحمل نفسه وما يُسهل نمو الجنين وما يُسهل حصول مراحل ولادته. وثمة هورمونات يزداد إفرازها في مراحل الحمل بشكل متواصل، ومهمتها تحقيق أكبر قدر ممكن من الاسترخاء. ولذا تكتسب المفاصل القوية والمشدودة بإحكام عادة، وبفعل تأثير هذه الهورمونات، شيئاً من الليونة والمرونة، أي قليلاً من الخلخلة لشدها.
وهذا شيء مفيد للغاية، لأن مفاصل، كالتي في الحوض، تحتاج ما يُرخيها، كي يتمكن الجنين من المرور خلالها في طريقه لمغادرة الرحم والخروج إلى الدنيا. إلا أن لهذا أيضاً تأثيرات سلبية تتطلب من المرأة مراعاة هذه التغيرات في المفاصل. مثل زيادة الألم في الظهر، وارتفاع احتمالات إصابات المفاصل عند القيام بحركات بدنية غير منضبطة، خاصة مع حصول تغيرات مركز ثقل الجسم المتقدم ذكرها.
4- تدفق الدم إلى الجنين
تبعاً لعدة آليات، بعضها معقد، يحصل تدفق الدم إلى الجنين عبر المشيمة والحبل السري. وإحدى آليات جذب الدم وتسهيل تدفقه إلى الجنين هو ذلك الفارق بين درجة حرارة الجنين وبين درجة حرارة الأم. وهنا يكون ارتفاع حرارة الجنين بدرجة أعلى من درجة حرارة جسم الأم، أحد العوامل الأساسية في تدفق الدم إلى الجنين.
وبالتالي في ضمان تغذيته ونموه بشكل طبيعي. ومصدر الحرارة الأعلى في الجنين، هو تلك العمليات الكيميائية الحيوية في بناء ونمو جسمه. وتأتي الإشكالية حينما تُمارس المرأة الحامل رياضة المشي أو غيرها في أجواء مناخية حارة، كالتي تقوم بها الحوامل في مشيهن على أرصفة الطرقات.
وهذا السلوك اضافة الى أنه سيتسبب في ارتفاع حرارة جسم الأم، فإن عدم حرص بعضهن على تكرار شرب الماء أثناء ذلك «السلوك الرياضي» سيزيد مشكلة قلة تروية الجنين بالدم. وإذا أضفنا لذلك استنشاق الحامل لهواء مفعم بالغبار أو ملوثات الهواء الصادرة عن عوادم السيارات، واحتمالات السقوط أو اختلال التوازن، فإن تقييم عادة المشي في أرصفة شوارع المدن الحارة، وبالصفة المتقدمة، قد لا يشير إلى فوائد صحية لها.