لماذا ينصح الأطباء بالحد من الفحوصات الطبية قبل التأكد من أهميتها؟
أطباء أميركيون ينصحون بالحد من الفحوصات الطبية قبل التأكد من أهميتها، ففي خطوة من المرجح أن تغير معايير العلاج في المستشفيات وعيادات الأطباء في أنحاء البلاد، تقدمت مجموعة مكونة من تسع منظمات تضم أطباء من مختلف التخصصات الطبية إصدار توصية بالحد من إجراء 34 فحصا طبيا وحث المرضى على عدم قبول إجراء مثل هذه الفحوص من دون التأكد من أهميتها وجدواها. وتستعد ثماني منظمات أخرى لتبني هذا النهج من خلال إضافة بعض القوائم المدرج عليها الفحوص الطبية التي ينبغي الحد منها.
وتعد تلك التوصيات بمثابة إقرار صريح استثنائي من الأطباء بكثرة إجراء فحوص طبية مفيدة بلا داع، مما يمثل خطرا على صحة المرضى. وحسب بعض التقديرات، تمثل تكلفة العلاجات غير الضرورية ثلث الإنفاق الحكومي على الرعاية الطبية في الولايات المتحدة.
وقال لوراني سميث، طبيب في «نورث شور هيلث سيستم» وعميد كلية الطب في «هوفسترا نورث شور» الذي لم يشارك في المبادرة: «يعد الإفراط من أخطر الأزمات التي يواجهها عالم الطب في أميركا. وكان الكثيرون يظنون أن هيئات الأطباء الاختصاصيين هي أكثر الجهات مقاومة لهذه الفكرة. لذا يعد هذا التوجه هذه رسالة قوية».
وتعثرت الكثير من المحاولات السابقة للسيطرة على الإجراءات والفحوص الطبية غير اللازمة، لكن تأتي التوصية هذه المرة من أطباء محترمين مما يمنحها قوة وزخما أكبر من التوصيات الصادرة عن جهات أخرى. ويكشف تغييرهم لرأيهم عن حدوث تغيرات في مجال الرعاية الصحية.
ويدشن هؤلاء الأطباء مبادرة توعوية تحت اسم «الاختيار الحكيم» موجهة إلى المرضى والأطباء على حد سواء وتحت رعاية المجلس الأميركي لمؤسسة الطب الباطني بالتعاون مع «كونسيومر ريبورتس».
وتشمل قائمة الفحوص والإجراءات الطبية التي نصحوا بعدم القيام بها تخطيط كهربائية القلب الذي يجرى بصورة دورية حتى وإن لم تكن هناك أي إشارات تدل على وجود مشاكل في القلب. ومن الشائع أن يتم النصح بإجراء فحص بأشعة الرنين المغناطيسي عندما يشكو المريض من أي ألم في الظهر، وكذلك وصف المضادات الحيوية في أبسط حالات التهاب الأذن.
وتحث كلية القلب الأميركية أطباء القلب على عدم إجراء فحص تخطيط كهربائية القلب أثناء بذل الجهد، للمرضى الذي لا تبدو عليهم أعراض الإصابة بأمراض القلب، وتنصح الكلية الأميركية لرسم الأشعة اختصاصي الأشعة بعدم إجراء أي فحص بالأشعة للمرضى الذين يعانون نمن ألم خفيف في الرأس. وتحث الجمعية الأميركية لطب الجهاز الهضمي أطباء الجهاز الهضمي بأقل جرعة ممكنة من العقاقير اللازمة لعلاج الحموضة المعوية.
فحوص غير ضرورية
كذلك تم حث أطباء الأورام على الحد من الفحوص بالأشعة للمرضى الذين يعانون من مرحلة مبكرة من سرطان الثدي والبروستاتا، والذي من المرجح ألا ينتشر، وتم حث أطباء الكلى على عدم إجراء غسيل كلى قبل مناقشة الأمر مع المريض وأسرته.
ولاقت محاولات الحد من إجراء الفحوصات للمرضى معارضة، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، نصحت مجموعة عمل الخدمات الوقائية الأميركية في إرشاداتها السيدات بالحد من فحوص سرطان الثدي مما أثار الخوف بين المرضى من زيادة سيطرة الحكومة على القرارات الشخصية المتعلقة بالصحة وأساليب العلاج.
وقالت كاثرين نيكس، محللة سياسات الرعاية الصحية في «هيريتيدج فاونديشين» المحافظة: «أي معلومات يمكن أن تساعد على اتخاذ القرارات الطبية مفيدة، لكن المثير للقلق هو عندما لا يقتصر استخدام المعلومات على المساعدة في اتخاذ القرارات، بل لتقييد القرارات التي يمكن للمريض اتخاذها.. هناك توجه واضح نحو استغلال هذه المعلومات في الحد من قدرة المرضى على اتخاذ القرارات بأنفسهم».
لا تتفق كريستين كاسيل، الرئيسة والمديرة التنفيذية للمجلس الأميركي لمؤسسة الطب الباطني، مع هذا الطرح، حيث تقول إن الولايات المتحدة قادرة على توفير تكاليف الرعاية الصحية لكافة المواطنين الأميركيين ما دامت مناسبة ومعقولة.
وأضافت: «لا يكون الترشيد ضروريا، إذا امتنعت عن القيام بالأمور غير المجدية». وحسب تقديرات بعض الخبراء، فإن نحو ثلث الإنفاق السنوي الأميركي على الرعاية الصحية الذي يبلغ تريليوني دولار تنفق على فحوص غير ضرورية وبقاء غير لازم في المستشفى وعلاجات غير مقطوع بجدواها وعقاقير جديدة غير فاعلة وأجهزة طبية ورعاية لأشخاص ميؤوس من شفائهم.
وتم الحث على عدم إجراء بعض الفحوص منها إجراء فحص بأشعة إكس على شخص غاب عن الوعي، لكنه لا يعاني من أي مشاكل عصبية بدافع القلق من إقامة دعاوى قضائية بسبب ممارسات خاطئة على حد قول خبراء.
وستستمر الإرشادات المستندة إلى أدلة من أجل طمأنة الأطباء وحمايتهم من المساءلة القانونية. مع ذلك لا يزال الكثير من محامي الأطباء المتخصصين والمرضى حذرين، حيث يخشون من أن يساء فهم هذه التوجيهات ويتم تطبيقها على نطاق واسع بما يؤثر سلبا على المرضى.
وأثنى الكثيرون على الأطباء لخطوتهم الجريئة، مشيرين إلى أن المبادرة يمكن أن تستعدي الأطباء نظرا لانخفاض المال الذي يحصلون عليه من النصح بإجراء مثل هذه الفحوص بموجب خطط الدفع مقابل الخدمة لكل مريض على حدة.