منشطات جنسية ... تدفع متعاطيها إلى حافة الموت
منشطات جنسية ... تدفع متعاطيها إلى حافة الموت
تحقيقات
خلطات عجائبية يروج لها العطارون وكأنها عصا سحرية
دخل (فؤاد) المستشفى بحالة إسعافية جراء تعاطيه لخلطة عشبية منشطة جنسياً، يؤكد الطبيب طلال فارس (أستاذ جراحة القلب في جامعة دمشق) أن(فؤاد) نجا من الموت بفضل الإنعاشات التي خضع لها قلبه في اللحظة الفاصلة مابين الحياة والموت.
وكان فؤاد قرأ صبيحة احد الأيام إعلان يفرش البحر طحيناً (وداعاً للضعف الجنسي ، خلطة عشبية تجعلك أكثر فحولة) فسارع للاتصال بالرقم المدون في أسفل الإعلان طالباً عبوة من الخلطة المذكورة والتي بلغ سعرها 20000 ل.س لتكون النتيجة إدخاله إلى المستشفى وهو على حافة الموت.
يعاني فؤاد من تضيق في إحدى شرايين القلب ، نجح انخفاض الضغط الناتج عن تعاطيه للمنشطات في سد الشريان بأكمله، ينبه د. فارس إلى أن الموت هو أحد الأثمان التي يدفعها مريض القلب في حال تعاطيه لمنشطات جنسية بنوعيها الكيميائي و النباتي دون استشارة طبيبه المعالج "المنشطات تدفع المريض لبذل جهد مضاعف بحكم التنشيط الذي أصابه حيث تتسرع نبضات القلب مسببة أزمة قلبية "
فؤاد وغيره من الأشخاص الذين يتعاطون المنشطات الجنسية غالباً ما يقعون ضحية جهلهم بضرورة تعاطي الخلطات السابقة بعد التشخيص الجيد لحالة المريض و إجراء العديد من التحاليل الطبية ، مكتفين باللجوء لدكاكين العطارين وللإعلانات المنشورة في الصحف الإعلانية ، معرضين حياتهم للخطر وجيوبهم للنهب والاستغلال.
سوق يتقن الاحتيال
ثلة من العطارين قادتهم خبرتهم في ابتكار الخلطات العشبية إلى استغلال حاجة الناس المصابين بضعف جنسي من خلال إيهام مرتادي السوق بأن خلطاتهم السحرية تنشط قدراتهم الجنسية خلال دقائق ، لتتفتق أذهان العطارين وفي كل يوم عن خلطة جديدة يدعون أنها أكثر تأثيراً من سابقتها، تغمز الصنارة ويبتلع الزبائن الطعم معتقدين أنه الترياق الذي سينهي ضعفهم الجنسي لا محالة.
منصور الخطيب امتهن العطارة منذ خمسة عشر عاماً علماً أنه يمتلك شهادة جامعية(صيدلاني) لكنه يعتبر شهادته بمثابة منقذ له من الوقوع في أخطاء باقي العطارين الذين يقامرون بحياة الزبائن جراء جهلهم بالمضاعفات الصحية الناتجة عن الخلطات العشبية التي يصفوها للمرضى ، يقول :"معظم العطارين لا يمتلكون أدنى معرفة بالمضاعفات الصحية الناجمة عن استخدام الأعشاب المنشطة جنسيا مما يجعل المريض عرضة لانتكاسات صحية تتفاوت درجة خطورتها وفقا لحالة المريض الصحية ، فالضعف الجنسي ناجم عن نقص بهرومانات النخامة وهناك نقص بالهرمون الجنسي ناجم عن حالة التقدم بالعمر أو التهاب الأعصاب ، وكل حالة من الحالات السابقة لها نظام معالجة مختلف إضافة لوجود نباتات تستخدم لمعالجة الرجال وأخرى للنساء بينما العطارين يعطون الدواء نفسه للجنسين"
ينقلب السحر على الساحر ويمتنع الزبون عن شراء الوصفات المركبة من قبل بعد العطارين بسبب تعرضه لانتكاسة صحية كانت هي المكسب الوحيد من تعاطيه للخلطة ، يتابع منصور الخطيب "زبائن عدة تراجع العطار مطالبةً إياه بإعادة المبلغ المدفوع وذلك بعد معرفتهم بأن ما تعاطوه من أعشاب لا يتناسب وحالتهم الصحية ، مثلا نبتة العنبر ترفع ضغط الدم وفي حال كان لدينا زبون يعاني من ضعف جنسي وضغط عال إذا أعطيناه النبتة السابقة نكون قد سببنا له مشكلة صحية ، أو زبون لديه ميوعة دم وأعطيناه الزنجبيل أو عشبة أخرى تسبب جريان الدم فنحن بذلك نعرضه لنزيف دموي ، لذلك فإن وصف الخلطات المنشطة جنسيا يتطلب دراية كاملة بحالة المريض الصحية ومعرفة الأمراض التي يعاني منها "
البعض القليل من الزبائن يحاولون التشفي من العطار (الدجال) بتحريك دعوى قضائية ضده ، لكن ووفقا لمصدر من القصر العدلي فإن عدد هذه الشكاوى لايتجاوز الأربع دعاوى سنويا ، ولا تفضي لنتيجة كون الاحتيال وقع على الزبون بمحض إرادته فهو من طرق باب العطار وليس العكس.
وبدوره منصور الخطيب يؤكد بأنه الأعرف بخبايا السوق وما يحدث فيه من تلاعب من جهة غش الخلطات مقابل أسعار مرتفعة يدفعها الزبائن على مدار سنة أو أكثر يقول: "يستغل العطارون حاجة الزبون فيقومون بإعطائه خلطات لا أساس لها من الصحة مقابل 100000 ل.س في بعض الأحيان ثمناً لمادة مغشوشة ، إذ يقوم بعض العطارين بشراء حبوب الفياغرة وطحنها وخاطها مع العسل فيخيل للمصاب بالعجز الجنسي أنه تماثل للشفاء "
الأمر الذي يفتح أمام العطارين باباً واسعا للغش والتدليس عبر ابتكار وصفات جديدة وبأسعار خلبية ، علماً أن كل ما يطرحونه من وصفات هي غير مرخصة أو مسجلة في وزارة الصحة ، يقول أحد العطارين :" تقدمت بشكوى لوزارة الصحة و أخرى لمديرية التموين دون فائدة تذكر ، فالآن وبالإضافة للخلطات المنشطة هناك كبسولات يتم تعبئتها من قبل العطارين بمواد منشطة ودون أن تخضع لأية رقابة صحية مشيراً إلى أن أعداد الزبائن تضاعفت في السنوات الأخيرة ويشكل ملحوظ"
الرقابة تحتاج لشكوى
لا رقيب ولا حسيب في هذا السوق الغارق في الاحتيال والدجل ، فدوريات الرقابة (إن وجدت ) تعجز عن مصادرة هذه الخلطات كونها تركب وفقاً لطلب الزبون ، أما الكبسولات فيحرص العطارون على إخفائها بانتظار الإفراج عنها بكفالة زبون دسم .
د. أنور العلي (مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد) يؤكد أن هناك متابعة يومية للأسواق و التي تدقق كافة السلع المطروحة في الأسواق ، من بينها ما يتداوله الناس حالياً من ناحية التداوي بالأعشاب وأي منتج غير مرخص من قبل وزارة الصحة تتم مصادرته من قبل عناصرنا ، كما نقوم الآن بتسيير دوريات مشتركة لكافة الأسواق لمصادرة كل ما يتعلق بالمنتجات ذات الصفة الطبية وخصوصاً ما يكتب عليها مقويات جنسية ، و المخالفة تنطبق على هذه السلع من حيث المصادرة والإتلاف وفقا لأحكام قانون منع الغش والتدليس وتعديلاته"
بينما يعتبر محمود المبيض (مدير التجارة الداخلية بدمشق) أن تسطير المخالفات بحق العطارين ليس بالأمر السهل و السبب أنهم لا يتقيدون بترخيص صحي للمادة التي يتم بيعها ، لذلك لا يمكن ضبط مخالفتهم بدون شكوى كونها تباع بشكل سري ولا يتم الإعلان
صيادلة وبيع بلا وصفات
ولم يقتصر التسيب والمقامرة بحياة الزبائن على سوق العطارين ، بل كان للصيادلة نصيبهم من تجاوز القوانين التي تمنع صرف المنشطات إلا بناءً على وصفة طبية.
فرغم صدور قانون من وزارة الصحة بمنع البيع إلا وفق الشرط السابق ، نجد أغلب أصحاب الصيدليات يفرطون في خرق القرار وكأنه لم يكن على حد تعبير الطبيب أسامة دمشقية(أخصائي بولية وتناسلية) يقول:"يوجد الآن مواد نباتية منشطة في الصيدليات إضافة للفياغرة ونسخها المطورة ، وأصحاب الصيدليات لا يلتزمون بقرار وزارة الصحة ، فيمكنك وببساطة دخول إحداها و الحصول على منشط جنسي بل يعرض أمامك أنواع عديدة من المنشطات وما عليك سوى الاختيار يضيف "تراجعني حالات مستعصية ومعظم المرضى يقرون بأنهم استخدموا جميع أنواع المنشطات سواء باللجوء إلى الصيدليات أو العطارين ، كل هذا دون استشارة طبيب أو الحصول على وصفة طبية"
هكذا وبكل بساطة يتحايل بعض الصيادلة على القانون ضاربين بعرض الحائط أية اعتبارات مهنية أو أخلاقية لصالح سطوة المصالح المادية وإغراءاتها.
العزف على الوتر الحساس
الغريق يتعلق بقشة بهذه الكلمات يبرر (حسن .ي ) إفراطه في تناول الخلطات المنشطة جنسياً على مدار ثلاث سنوات لم يوفر فيها أياً من وصفات العطارين ، حسن باع قطعة الأرض التي يملكها في قريته وأضاع ثمنها بين هذه الوصفة وتلك وصولاً لشراء أجهزة تؤكد الإعلانات الواردات في الصحف أنها اقرب لعصا موسى القادرة على صنع المعجزات ، وإخفاق الجهاز في جعل الوضع الجنسي للمريض أفضل حالاً لا يثنيه بالضرورة عن شراء جهاز آخر لمجرد الإعلان عن فوائده الجنسية ، يقول حسن:"أغلقت كل الأبواب في وجهي وفي كل مرة كنت اسمع فيها عن خلطة جديدة أو جهاز لم استخدمه من قبل ينتابني إحساس بأن أملاً ما لاح في الأفق"
مع العلم بأن هذه الأجهزة (والكلام هنا للطبيب دمشقية) ذات تأثير مؤقت فما يتم الإعلان عنه مبالغ فيه ولا يؤدي لنتيجة فعالة ، وإنما هو مصيدة جديدة لابتزاز المصاب بضعف جنسي ، وخصوصا أن شعوره بالعجز يجعله عرضة للتأثر أكثر من غيره ، فهذه الإعلانات تعزف على الوتر الحساس للمريض ،
ويعتبر الطبيب تيسير حسون (أخصائي بالأمراض النفسية ومعالجة الاضطرابات الجنسية ) أن العوامل النفسية تلعب دوراً في كل حال من حالات العنانة حتى لو كان هناك سبب عضوي ، وهذه الحالات ليست ذات جذور عميقة بل يمكن اكتشافها بتفحص الوضع الراهن للمريض دون الغوص في الخبرة الطفولية المباشرة والعوامل المحدثة لهذا الأمر هو الجهل و المحرمات الثقافية وسوء التواصل ، وتدوم المشكلة عادةً جراء حلقة معينة من الفشل والذي يقود للخوف من الفشل ثم المزيد منه.
النصيحة ...بجمل
ينصح فؤاد بعد تجربته المريرة باستشارة الأطباء وإجراء التحاليل الطبية قبل تعاطي أي نوع من المنشطات الجنسية ، فالموت كما يقول كان يحوم حوله ، ولولا العناية الإلهية لتوقف قلبه عن الخفقان بسبب منشط جنسي لم يعطه طاقة جنسية بقدر ما أضعف قلبه وأضناه .